وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَلَا أَعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ؛ لِأَنَّهَا أَنْفَقَتْ مَا لَا تَسْتَحِقُّ. وَإِنْ فَضَلَ لَهَا شَيْءٌ فَهُوَ لَهَا وَإِنْ فَضَلَ عَلَيْهَا شَيْءٌ، وَكَانَ لَهَا صَدَاقٌ أَوْ دَيْنٌ عَلَى زَوْجِهَا، حُسِبَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، كَانَ الْفَضْلُ دَيْنًا عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِالصَّدَاقِ]
(٦٤٨٣) فَصْلٌ: وَإِنْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِالصَّدَاقِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ أَصَحُّهَا، لَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ. وَالثَّانِي، لَهَا الْفَسْخُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْسَرَ بِالْعِوَضِ، فَكَانَ لَهَا الرُّجُوعُ فِي الْمُعَوَّضِ، كَمَا لَوْ أَعْسَرَ بِثَمَنِ مَبِيعِهَا. وَالثَّالِثُ، إنْ أَعْسَرَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَهَا الْفَسْخُ كَمَا لَوْ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعُ بِحَالِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، لَمْ تَمْلِكْ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَدْ اُسْتُوْفِيَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ أَوْ بَعْضِهِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ دَيْنٌ، فَلَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ لِلْإِعْسَارِ بِهِ، كَالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ، وَلِأَنَّ تَأْخِيرَهُ لَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ مُجْحِفٌ، فَأَشْبَهَ نَفَقَةَ الْخَادِمِ وَالنَّفَقَةَ الْمَاضِيَةَ، وَلِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ كُلُّ مَقْصُودِ الْبَائِعِ، وَالْعَادَةُ تَعْجِيلُهُ، وَالصَّدَاقُ فَضْلَةٌ وَنِحْلَةٌ، لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودَ فِي النِّكَاحِ، وَلِذَلِكَ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ بِفَسَادِهِ، وَلَا بِتَرْكِ ذِكْرِهِ، وَالْعَادَةُ تَأْخِيرُهُ، وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَنْ يَشْتَرِي بِثَمَنٍ حَالٍّ يَكُونُ مُوسِرًا بِهِ، وَلَيْسَ الْأَكْثَرُ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ بِمَهْرٍ يَكُونُ مُوسِرًا بِهِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِهَا، بِخِلَافِ الصَّدَاقِ، فَأَشْبَهُ شَيْءٍ بِهِ النَّفَقَةُ الْمَاضِيَةُ. وَلِلشَّافِعِيِّ نَحْوُ هَذِهِ الْوُجُوهِ. وَإِذَا قُلْنَا: لَهَا الْفَسْخُ لِلْإِعْسَارِ بِهِ. فَتَزَوَّجَتْهُ عَالِمَةً بِعُسْرَتِهِ، فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِهِ كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ إنْ عَلِمَتْ عُسْرَتَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَرَضِيَتْ بِالْمُقَامِ سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ الْفَسْخِ، لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا بَعْدَ وُجُوبِهِ، فَسَقَطَ كَمَا لَوْ رَضِيَتْ بِعُنَّتِهِ.
[فَصْلٌ نَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ]
(٦٤٨٤) فَصْلٌ: وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ حَقٌّ لَهَا وَلِسَيِّدِهَا؛ لِأَنَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْتَفِعُ بِهَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَلَبُهَا إنْ امْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ أَدَائِهَا، وَلَا يَمْلِكُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إسْقَاطَهَا؛ لِأَنَّ فِي سُقُوطِهَا بِإِسْقَاطِ أَحَدِهِمَا ضَرَرًا بِالْآخَرِ. وَإِنْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِهَا، فَلَهَا الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهَا، فَمَلَكَتْ الْفَسْخَ، كَالْحُرَّةِ، وَإِنْ لَمْ تَفْسَخْ، فَقَالَ الْقَاضِي: لِسَيِّدِهَا الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي عَدَمِهَا، لِمَا يَتَعَلَّقُ بِفَوَاتِهَا مِنْ فَوَاتِ مِلْكِهِ وَتَلَفِهِ، فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا سَيِّدُهَا مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَى الزَّوْجِ، رَضِيَتْ بِذَلِكَ أَوْ كَرِهَتْ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute