للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَصِحُّ عِتْقُ عَبْدِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» . وَلِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةً، وَلَهُ فِيهِ حَقٌّ، فَصَحَّ إعْتَاقُهُ كَمَالِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ عِتْقٌ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَإِعْتَاقِ عَبْدِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَمَّا وَرَّثَ اللَّهُ الْأَبَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ السُّدُسَ مَعَ وَلَدِهِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي سَائِرِهِ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك» . لَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي وُجُوبِ حَقِّهِ عَلَيْك، وَإِمْكَانِ الْأَخْذِ مِنْ مَالِكَ، وَامْتِنَاعِ مُطَالَبَتِك لَهُ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ، وَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ لِعَبْدِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ، الَّذِي وَرَدَ الْخَبَرُ فِيهِ، وَثُبُوتُ الْوِلَايَةِ لَهُ عَلَى مَالِ وَلَدِهِ أَبْلَغُ مِنْ امْتِنَاعِ إعْتَاقِ عَبْدِهِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا أَثْبَتَ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ لِحَظِّ الصَّبِيِّ، لِيَحْفَظَ مَالَهُ عَلَيْهِ، وَيُنَمِّيَهُ لَهُ، وَيَقُومَ بِمَصَالِحِهِ الَّتِي يَعْجِزُ الصَّبِيُّ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا، وَإِذَا كَانَ مَقْصُودُ الْوِلَايَةِ الْحِفْظَ، اقْتَضَتْ مَنْعَ التَّضْيِيعِ وَالتَّفْرِيطِ بِإِعْتَاقِ رَقِيقِهِ، وَالتَّبَرُّعِ بِمَالِهِ. وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدٍ آخَرَ: أَنْتَ حُرٌّ مِنْ مَالِي. فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهُوَ مَمْلُوكُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ.

وَلَوْ بَلَغَ رَجُلًا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ مِنْ مَالِي فَقَالَ: قَدْ رَضِيت. فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ.

[مَسْأَلَةٌ أَعْتَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقَّهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ]

(٨٥٧٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ، فَأَعْتَقُوهُ مَعًا، أَوْ وَكَّلَ نَفْسَانِ الثَّالِثَ أَنْ يُعْتِقَ حُقُوقَهُمَا مَعَ حَقِّهِ، فَفَعَلَ، أَوْ أَعْتَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقَّهُ، وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَقَدْ صَارَ حُرًّا، وَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْعَبْدَ مَتَى كَانَ لِثَلَاثَةٍ، فَأَعْتَقُوهُ مَعًا؛ إمَّا بِأَنْفُسِهِمْ، بِأَنْ يَتَلَفَّظُوا بِعِتْقِهِ مَعًا، أَوْ يُعَلِّقُوا عِتْقَهُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ، فَتُوجَدَ، أَوْ يُوَكِّلُوا وَاحِدًا، فَيُعْتِقَهُ، أَوْ يُوَكَّلَ نَفْسَانِ مِنْهُمْ الثَّالِثَ، فَيُعْتِقَهُ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا، وَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ أَعْتَقَ حَقَّهُ، فَيَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ. وَهَذَا لَا نَعْلَمُ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا.

فَأَمَّا إنْ أَعْتَقَهُ سَادَتُهُ الثَّلَاثَةُ، وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، وَهُمْ مُعْسِرُونَ، أَوْ كَانَ الْمُعْتِقَانِ الْأَوَّلَانِ مُعْسِرَيْنِ، وَالثَّالِثُ مُوسِرًا، فَالصَّحِيحُ فِيهِ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقُّهُ، وَلَهُ وَلَاؤُهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، فِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْمُعْسِرُ نَصِيبَهُ قَوْلَيْنِ شَاذَّيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْتِقَ نِصْفُهُ مُنْفَرِدًا، إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ نِصْفُهُ حُرٌّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>