للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(١٧٩٤) فَصْلٌ: قَوْلُ الْخِرَقِيِّ: " إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ إلَى الْغِنَى ". يَعْنِي بِهِ الْغِنَى الْمَانِعَ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْغِنَى، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَا يُغْنِيه مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ وَذَكَرَهُ أَصْحَابُهُ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ زِيَادَةً عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الْغِنَى.

وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُعْطَى أَلْفًا وَأَكْثَرَ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا، وَيُكْرَهُ أَنْ يُزَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ. وَلَنَا، أَنَّ الْغِنَى لَوْ كَانَ سَابِقًا مَنَعَ، فَيَمْنَعُ إذَا قَارَنَ، كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي النِّكَاحِ.

[فَصْلُ دَفَعَ الزَّكَاة إلَى الْأَصْنَاف عَلَى قَدْر حَاجَتهمْ إلَيْهَا]

(١٧٩٥) فَصْلٌ: وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْ الْأَصْنَافِ يُدْفَعُ إلَيْهِ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ حَاجَتُهُ، مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، فَالْغَارِمُ وَالْمُكَاتَبُ يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ وَإِنْ كَثُرَ، وَابْنُ السَّبِيلِ يُعْطَى مَا يُبْلِغُهُ إلَى بَلَدِهِ، وَالْغَازِي يُعْطَى مَا يَكْفِيه لِغَزْوِهِ، وَالْعَامِلُ يُعْطَى بِقَدْرِ أَجْرِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ، قِيلَ لَهُ: يَحْمِلُ فِي السَّبِيلِ بِأَلْفٍ مِنْ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: مَا أَعْطَى فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَا يُعْطَى أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ زِيَادَةً عَلَى مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الْحَاجَةُ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ لَهَا، فَلَا يُزَادُ عَلَى مَا تَقْتَضِيه. .

[فَصْلُ أَرْبَعَة أَصْنَاف يَأْخُذُونَ أَخَذَا مُسْتَقَرًّا مِنْ الزَّكَاة]

(١٧٩٦) فَصْلٌ: وَأَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ يَأْخُذُونَ أَخْذًا مُسْتَقِرًّا، فَلَا يُرَاعَى حَالُهُمْ بَعْدَ الدَّفْعِ، وَهُمْ: الْفُقَرَاءُ، وَالْمَسَاكِينُ، وَالْعَامِلُونَ، وَالْمُؤَلَّفَةُ، فَمَتَى أَخَذُوهَا مَلَكُوهَا مِلْكًا دَائِمًا مُسْتَقِرًّا، لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ رَدُّهَا بِحَالٍ، وَأَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ، وَهُمْ الْغَارِمُونَ، وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنُ السَّبِيلِ؛ فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَخْذًا مُرَاعًى، فَإِنْ صَرَفُوهُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي اسْتَحَقُّوا الْأَخْذَ لِأَجْلِهَا، وَإِلَّا اُسْتُرْجِعَ مِنْهُمْ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا، أَنَّ هَؤُلَاءِ أَخَذُوا لِمَعْنًى لَمْ يَحْصُلْ بِأَخْذِهِمْ لِلزَّكَاةِ، وَالْأَوَّلُونَ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِأَخْذِهِمْ، وَهُوَ غِنَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَتَأْلِيفُ الْمُؤَلَّفِينَ، وَأَدَاءُ أَجْرِ الْعَامِلِينَ. وَإِنْ قَضَى هَؤُلَاءِ حَاجَتَهُمْ بِهَا، وَفَضَلَ مَعَهُمْ فَضْلٌ، رَدُّوا الْفَضْلَ، إلَّا الْغَازِي، فَإِنَّ مَا فَضَلَ لَهُ بَعْدَ غَزْوِهِ فَهُوَ لَهُ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ مَا فَضَلَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ، وَكَانَ قَدْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَهُوَ لِسَيِّدِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَالْكَوْسَجِ. وَنَقَلَ عَنْهُ حَنْبَلٌ: إذَا عَجَزَ يَرُدُّ مَا فِي يَدَيْهِ فِي الْمُكَاتَبِينَ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: إنْ كَانَ بَاقِيًا بِعَيْنِهِ اُسْتُرْجِعَ مِنْهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا دُفِعَ إلَيْهِ لِيَعْتِقَ بِهِ وَلَمْ يَقَعْ وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>