للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ وَطْءُ جَارِيَةِ ابْنِهِ]

(٥٤٢٥) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ وَطْءُ جَارِيَةِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٦] . وَلَيْسَتْ هَذِهِ زَوْجَةً لَهُ، وَلَا مَمْلُوكَتَهُ، وَلِأَنَّهُ يَحِلُّ لِابْنِهِ وَطْؤُهَا، وَلَا تَحِلُّ الْمَرْأَةُ لِرَجُلَيْنِ. فَإِنْ وَطِئَهَا، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَقَالَ دَاوُد: يُحَدُّ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إنْ كَانَ ابْنُهُ وَطِئَهَا حُدَّ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَلَنَا، أَنَّ لَهُ فِيهَا شُبْهَةً؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» . وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلِأَنَّ الْأَبَ لَا يُقْتَلُ بِقَتْلِ ابْنِهِ، وَالْقِصَاصُ حَقُّ آدَمِيٍّ، فَإِذَا سَقَطَ بِشُبْهَةِ الْمِلْكِ، فَالْحَدُّ الَّذِي هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ، وَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ، فَكَذَلِكَ لَا يُحَدُّ بِالزِّنَى بِجَارِيَتِهِ.

فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الِابْنِ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَإِنْ كَانَ الِابْنُ قَدْ وَطِئَهَا، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمَا عَلَى التَّأْبِيدِ. وَإِذَا لَمْ تَعْلَقْ مِنْ الْأَبِ، لَمْ يَزُلْ مِلْكُ الِابْنِ عَنْهَا، وَلَمْ يَلْزَمْهُ قِيمَتُهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا عَلَيْهِ، وَحَرَمَهُ وَطْأَهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهَا. وَلَنَا، أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهَا عَنْ مِلْكِهِ، وَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَرْضَعَتْهَا امْرَأَتُهُ، فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الِابْنِ، وَلَا يَجِبُ لَهُ ضَمَانُهَا. وَإِنْ عَلِقَتْ مِنْهُ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ، يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءٍ لَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ، لِأَجْلِ الشُّبْهَةِ، فَأَشْبَهَ وَلَدَ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لَهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَجْنَبِيٍّ بِشُبْهَةٍ. وَلَنَا، أَنَّهَا عَلِقَتْ مِنْهُ بِحُرٍّ لِأَجْلِ الْمِلْكِ، فَأَشْبَهْت الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ إذَا كَانَ مُوسِرًا. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ، وَلَا قِيمَةُ وَلَدِهَا وَلَا مَهْرُهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَلْزَمُهُ ذَلِكَ كُلُّهُ، إذَا حُكِمَ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ. وَهَذَا يُبْنَى عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلِابْنِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَا قِيمَةِ مُتْلَفٍ، وَعِنْدَهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَهَذَا يُذْكَرُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[فَصْلٌ وَطِئَ الِابْنُ جَارِيَةَ أَبِيهِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ]

(٥٤٢٦) فَصْلٌ: وَإِنْ وَطِئَ الِابْنُ جَارِيَةَ أَبِيهِ، عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَا يَلْحَقُهُ النَّسَبُ، وَلَا تَصِيرُ بِهِ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ، فَأَشْبَهَ وَطْءَ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَقَارِبِ.

[فَصْلٌ وَطِئَ الْأَبُ وَابْنُهُ جَارِيَةَ الِابْنِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَأَتَتْ بِوَلَدِ]

(٥٤٢٧) فَصْلٌ: وَإِنْ وَطِئَ الْأَبُ وَابْنُهُ جَارِيَةَ الِابْنِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَأَتَتْ بِوَلَدِ أُرِيَ الْقَافَةَ، فَأُلْحِقُ بِمِنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>