بَيْنَ كَوْنِ الْوَلَدِ كَبِيرًا بَالِغًا أَوْ طِفْلًا.
وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ الْوَالِدَةَ تَتَضَرَّرُ بِمُفَارَقَةِ وَلَدِهَا الْكَبِيرِ، وَلِهَذَا حَرُمَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ بِدُونِ إذْنِهِمَا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يَخْتَصُّ تَحْرِيمُ التَّفْرِيقِ بِالصَّغِيرِ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَأَبُو ثَوْرٍ.
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ أَتَى بِامْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا، فَنَفَلَهُ أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا، فَاسْتَوْهَبَهَا مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَهَبَهَا لَهُ، وَلَمْ يُنْكِرْ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُهْدِيَتْ إلَيْهِ مَارِيَةُ وَأُخْتُهَا سِيرِينُ، فَأَمْسَكَ مَارِيَةَ، وَوَهَبَ سِيرِينَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ. وَلِأَنَّ الْأَحْرَارَ يَتَفَرَّقُونَ بَعْدَ الْكِبَرِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تُزَوَّجُ ابْنَتُهَا، فَالْعَبِيدُ أَوْلَى. وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ يَتَخَصَّصُ عُمُومُ حَدِيثِ النَّهْيِ. وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْكِبَرِ الَّذِي يَجُوزُ مَعَهُ التَّفْرِيقُ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا إذَا بَلَغَ الْوَلَدُ.
وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا أَثْغَرَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ: إذَا اسْتَغْنَى عَنْ أُمِّهِ، وَنَفَعَ نَفْسَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: إذَا صَارَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إذَا كَانَ يَلْبَسُ وَحْدَهُ، وَيَتَوَضَّأُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ يَسْتَغْنِي عَنْ أُمِّهِ، وَكَذَلِكَ خُيِّرَ الْغُلَامُ بَيْنَ أُمِّهِ وَأَبِيهِ إذَا صَارَ كَذَلِكَ. وَلِأَنَّهُ جَازَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا بِتَخْيِيرِهِ، فَجَازَ بَيْعُهُ وَقِسْمَتُهُ.
وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا. فَقِيلَ: إلَى مَتَى؟ قَالَ: حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلَامُ، وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ» وَلِأَنَّ مَا دُونَ الْبُلُوغِ مُوَلَّى عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ الطِّفْلَ.
(٧٥٢٨) فَصْلٌ: وَإِنْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِالْبَيْعِ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ فِي وَقْتِ النِّدَاءِ. وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو دَاوُد، فِي " سُنَنِهِ "، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا، فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ، وَرَدَّ الْبَيْعَ.
وَالْأَصْلُ مَمْنُوعٌ، وَلَا يَصِحُّ مَا ذَكَرُوهُ، فَإِنَّهُ نَهَى عَنْهُ لِمَا يَلْحَقُ الْمَبِيعَ مِنْ الضَّرَرِ، فَهُوَ لِمَعْنًى فِيهِ.
[مَسْأَلَة وَالْجَدُّ وَالْجَدَّة وَالْأَب سَوَاء فِي تَقْسِيم الْغَنَائِم]
(٧٥٢٩) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالْجَدُّ فِي ذَلِكَ كَالْأَبِ، وَالْجَدَّةُ فِيهِ كَالْأُمِّ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute