السِّنِّ فِي مَحَلِّهَا مِثْلُهَا عَلَى صِفَتِهَا، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَانِي، كَمَا لَوْ قَلَعَ شَعْرَةً ثُمَّ نَبَتَتْ، وَإِنْ عَادَتْ مَائِلَةً عَنْ مَحَلِّهَا، أَوْ مُتَغَيِّرَةً عَنْ صِفَتِهَا، كَانَ عَلَيْهِ حُكُومَةٌ، لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَعُدْ ضَمِنَ السِّنَّ، فَإِذَا عَادَتْ نَاقِصَةً ضَمِنَ مَا نَقَصَ. مِنْهَا بِالْحِسَابِ، فَفِي ثُلُثِهَا ثُلُثُ دِيَتِهَا، وَفِي رُبْعِهَا رُبْعُهَا وَعَلَى هَذَا، وَإِنْ عَادَتْ وَالدَّمُ يَسِيلُ، فَفِيهَا حُكُومَةٌ، لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، وَإِنْ مَضَى زَمَنُ عَوْدِهَا وَلَمْ تَعُدْ، سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالطِّبِّ، فَإِنْ قَالُوا: قَدْ يَئِسَ مِنْ عَوْدِهَا.
فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْقِصَاصِ أَوْ دِيَةِ السِّنِّ، فَإِنْ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِيَاسِ مِنْ عَوْدِهَا، فَلَا قِصَاصَ، لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَهُ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي دَرْئِهِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ، لِأَنَّ الْقَلْعَ مَوْجُودٌ، وَالْعَوْدَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ مَجِيءِ وَقْتِ عَوْدِهَا، أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ، لِأَنَّ الْعَادَةَ عَوْدُهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَقَ شَعْرَهُ فَمَاتَ قَبْلَ نَبَاتِهِ، فَأَمَّا إنْ قَلَعَ سِنَّ مَنْ قَدْ أَثْغَرَ، وَجَبَ الْقِصَاصُ لَهُ فِي الْحَالِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ عَوْدِهَا، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ،
وَقَالَ الْقَاضِي: يُسْأَلُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ قَالُوا: لَا تَعُودُ، فَلَهُ الْقِصَاصُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ قَالُوا: يُرْجَى عَوْدُهَا إلَى وَقْتٍ ذَكَرُوهُ، لَمْ يُقْتَصَّ حَتَّى يَأْتِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْعَوْدَ، فَأَشْبَهَتْ سِنَّ مَنْ لَمْ يُثْغِرْ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهَا إنْ لَمْ تَعُدْ بَعْدُ، فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ عَادَتْ، لَمْ يَجِبْ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي الْآخَرِ: لَا يَسْقُطُ الْأَرْشُ، لِأَنَّ هَذِهِ السِّنَّ لَا تَسْتَخْلِفُ عَادَةً، فَإِذَا عَادَتْ كَانَتْ هِبَةً مُجَدَّدَةً؛ وَلِذَلِكَ لَا يُنْتَظَرُ عَوْدُهَا فِي الضَّمَانِ وَلَنَا، أَنَّهَا سِنٌّ عَادَتْ، فَسَقَطَ الْأَرْشُ، كَسِنِّ مَنْ لَمْ يُثْغِرْ، وَنُدْرَةُ وُجُودِهَا لَا يَمْنَع ثُبُوتَ حُكْمِهَا إذَا وُجِدَتْ، فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ أَخَذَ الْأَرْشَ، رَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ، لَمْ يَجُزْ قَلْعُ هَذِهِ قِصَاصًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْعُدْوَانَ، وَإِنْ عَادَتْ سِنُّ الْجَانِي دُونَ سِنِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا، تُقْلَعُ، لِئَلَّا يَأْخُذَ سِنَّيْنِ بِسِنٍّ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: ٤٥] وَالثَّانِي، تُقْلَعُ وَإِنْ عَادَتْ مَرَّاتٍ، لِأَنَّهُ قَلَعَ سِنَّهُ وَأَعْدَمَهَا، فَكَانَ لَهُ إعْدَامُ سِنِّهِ، وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ، كَهَذَيْنِ.
[فَصْلٌ قَلَعَ سِنًّا فَاقْتَصَّ مِنْهُ ثُمَّ عَادَتْ سِنُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَقَلَعَهَا الْجَانِي ثَانِيَةً]
(٦٧١٣) فَصْلٌ: وَإِنْ قَلَعَ سِنًّا، فَاقْتُصَّ مِنْهُ، ثُمَّ عَادَتْ سِنُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَقَلَعَهَا الْجَانِي ثَانِيَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ سِنَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَمَّا عَادَتْ، وَجَبَ لِلْجَانِي عَلَيْهِ دِيَةُ سِنِّهِ، فَلَمَّا قَلَعَهَا، وَجَبَ عَلَى الْجَانِي دِيَتُهَا لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَقَدْ وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ سِنٍّ، فَيَتَقَاصَّانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute