فَهَزَّهُ، ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَقَالَ: إنَّ عَادُوا فَعُدْ. رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي " سُنَنِهِ "، وَرُوِيَ عَنْ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ كَانَ يَوْمًا قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ الْجَيْشِ، وَمَعَهُ جَارِيَةٌ لَهُ، فَأَتَاهُ رَجُلَانِ فَقَالَا: أَعْطِنَا شَيْئًا. فَأَلْقَى إلَيْهِمَا طَعَامًا كَانَ مَعَهُ، فَقَالَا: خَلِّ عَنْ الْجَارِيَةِ. فَضَرَبَهُمَا بِسَيْفِهِ، فَقَطَعَهُمَا بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ. وَلِأَنَّ الْخَصْمَ اعْتَرَفَ بِمَا يُبِيحُ قَتْلَهُ، فَسَقَطَ حَقُّهُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ قِصَاصًا، أَوْ فِي حَدٍّ يُوجِبُ قَتْلَهُ. وَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، فَكَذَلِكَ.
[مَسْأَلَةٌ قَتَلَ شَبَهِ الْعَمْدِ]
(٦٥٨٨) فَصْلٌ قَالَ: (وَشِبْهُ الْعَمْدِ مَا ضَرَبَهُ بِخَشَبَةٍ صَغِيرَةٍ، أَوْ حَجَرٍ صَغِيرٍ، أَوْ لَكَزَهُ، أَوْ فَعَلَ بِهِ فِعْلًا، الْأَغْلَبُ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ، فَلَا قَوَدَ فِي هَذَا، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) شِبْهُ الْعَمْدِ أَحَدُ أَقْسَامِ الْقَتْلِ، وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا؛ إمَّا لِقَصْدِ الْعُدْوَانِ عَلَيْهِ، أَوْ لِقَصْدِ التَّأْدِيبِ لَهُ، فَيُسْرِفُ فِيهِ، كَالضَّرْبِ بِالسَّوْطِ، وَالْعَصَا، وَالْحَجَرِ الصَّغِيرِ، وَالْوَكْزِ وَالْيَدِ، وَسَائِرِ مَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا إذَا قَتَلَ، فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الضَّرْبَ دُونَ الْقَتْلِ، وَيُسَمَّى عَمْدَ الْخَطَإِ وَخَطَأَ الْعَمْدِ؛ لِاجْتِمَاعِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ فِيهِ، فَإِنَّهُ عَمَدَ الْفِعْلَ، وَأَخْطَأَ فِي الْقَتْلِ، فَهَذَا لَا قَوَدَ فِيهِ. وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَجَعَلَهُ مَالِكٌ عَمْدًا مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إلَّا الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ، فَمَنْ زَادَ قِسْمًا ثَالِثًا، زَادَ عَلَى النَّصِّ، وَلِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِفِعْلٍ عَمَدَهُ، فَكَانَ عَمْدًا، كَمَا لَوْ غَرَزَهُ بِإِبْرَةِ فَقَتَلَهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا: تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبُ فِعْلِ عَمْدٍ، فَكَانَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ. وَلَنَا. مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: «اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ، فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَقَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَأَوْجَبَ دِيَتَهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْعَاقِلَةُ لَا تَحْمِلُ عَمْدًا، وَأَيْضًا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا إنَّ فِي قَتِيلِ خَطَإِ الْعَمْدِ، قَتِيلِ السَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ، مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ» .
وَفِي لَفْظٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ: «عَقْلُ شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظٌ، مِثْلُ عَقْلِ الْعَمْدِ، وَلَا يُقْتَلُ صَاحِبُهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَهَذَا نَصٌّ، وَقَوْلُهُ هَذَا قِسْمٌ ثَالِثٌ. قُلْنَا: نَعَمْ، هَذَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ، وَالْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ ثَبَتَا بِالْكِتَابِ، وَلِأَنَّهُ قَتْلٌ لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ، فَكَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، كَقَتْلِ الْخَطَإِ.
[مَسْأَلَةٌ الْقَتْلُ الْخَطَأُ عَلَى ضَرْبَيْنِ]
(٦٥٨٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْخَطَأُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرْمِيَ الصَّيْدَ، أَوْ يَفْعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ، فَيَئُولَ إلَى إتْلَافِ حُرٍّ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، فَتَكُونَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute