وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا. وَإِنْ أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: الْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ مَنْ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّهُ تَلَفٌ يَضْمَنُهُ بِهِ الْبَائِعُ، فَكَانَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ كَالتَّلَفِ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى. وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا بَيْنَهُمَا بِكَوْنِهِ إذَا تَلِفَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، لَمْ يُوجَدْ مُقْتَضٍ لِلضَّمَانِ سِوَى حُكْمِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَهُ، فَإِنَّ إتْلَافَهُ يَقْتَضِي الضَّمَانَ بِالْمِثْلِ، وَحُكْمُ الْعَقْدِ يَقْتَضِي الضَّمَانَ بِالثَّمَنِ، فَكَانَتْ الْخِيرَةُ إلَى الْمُشْتَرِي فِي التَّضْمِينِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ.
[فَصْلٌ تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْبَائِع أَوْ تُلْفِ بَعْضه بِأَمْرِ سَمَاوِيّ]
(٢٩٤٧) فَصْلٌ: وَلَوْ تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْبَائِعِ، أَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ، فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ قَبُولِهِ نَاقِصًا، وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَبَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ إنْ رَضِيَهُ مَعِيبًا، فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى مَعِيبًا وَهُوَ عَالِمٌ بِعَيْبِهِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ أَجْلِ الْعَيْبِ. وَإِنْ فَسَخَ الْعَقْدَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ كُلُّهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِذَا تَعَيَّبَ، أَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ، كَانَ أَوْلَى. وَإِنْ تَعَيَّبَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي، أَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ فَسْخٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَهُ، فَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى غَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ، فَقِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا، أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ، وَبَيْنَ أَخْذِهِ، وَالرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ بِعِوَضِ مَا أَتْلَفَ أَوْ عِيبَ. وَقِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَلِفَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ، وَالْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ، وَبَيْنَ أَخْذِ الْمَبِيعِ، وَمُطَالَبَةِ الْمُتْلِفِ بِعِوَضِ مَا أَتْلَفَ.
[فَصْلٌ بَاعَ شَاةً بِشَعِيرِ فَأَكَلَتْهُ قَبْلَ قَبَضَهُ]
(٢٩٤٨) فَصْلٌ: وَلَوْ بَاعَ شَاةً بِشَعِيرٍ، فَأَكَلَتْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إتْلَافِهِ لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ، فَهُوَ كَإِتْلَافِهِ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ أَحَدٍ، انْفَسَخَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِأَمْرٍ لَا يُنْسَبُ إلَى آدَمِيٍّ، فَهُوَ كَتَلَفِهِ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى.
(٢٩٤٩) فَصْلٌ: وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً أَوْ عَبْدًا أَوْ شِقْصًا بِطَعَامٍ، فَقَبَضَ الشَّاةَ أَوْ الْعَبْدَ، أَوْ بَاعَهُمَا، أَوْ أَخَذَ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ تَلِفَ الطَّعَامُ قَبْلَ قَبْضِهِ، انْفَسَخَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي، وَلَا يَبْطُلُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ كَمَّلَ قَبْلَ فَسْخِ الْعَقْدِ، وَيَرْجِعُ مُشْتَرِي الطَّعَامِ عَلَى مُشْتَرِي الشَّاةِ وَالْعَبْدِ وَالشِّقْصِ بِقِيمَةِ ذَلِكَ؛ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ، وَعَلَى الشَّفِيعِ مِثْلُ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الشِّقْصِ.
[مَسْأَلَةٌ مَا عَدَا الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَالْمَعْدُودَ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِهِ]
(٢٩٥٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَا عَدَاهُ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَبْضٍ، وَإِنْ تَلِفَ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي) يَعْنِي مَا عَدَا الْمَكِيلَ، وَالْمَوْزُونَ، وَالْمَعْدُودَ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: كُلُّ مَبِيعٍ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، إلَّا الْعَقَارَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَبِيعٍ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي. وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً أُخْرَى كَقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: أَرَى كُلَّ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ. وَلِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ بِتَلَفِهِ، انْفَسَخَ الْعَقْدُ، كَالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ، وَالْمَعْدُودِ.