للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ النَّهْرُ يُضَافُ إلَى ذَلِكَ النَّهْرِ، لَا إلَى الْفُرَاتِ، وَيَزُولُ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْفُرَاتِ، فَلَا يَحْنَثُ بِهِ، كَغَيْرِ الْفُرَاتِ.

[مَسْأَلَةٌ: قَالَ وَاَللَّهِ لَا فَارَقْتُكِ حَتَّى أَسْتَوْفِي حَقِّي مِنْك فَهَرَبَ مِنْهُ]

(٨١٢٢) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا فَارَقْتُك حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْك. فَهَرَبَ مِنْهُ، لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ قَالَ: لَا افْتَرَقْنَا. فَهَرَبَ مِنْهُ، حَنِثَ) أَمَّا إذَا حَلَفَ: لَا فَارَقْتُك. فَفِيهِ مَسَائِلُ عَشْرٌ؛ أَحَدُهَا، أَنْ يُفَارِقَهُ الْحَالِفُ مُخْتَارًا، فَيَحْنَثُ، بِلَا خِلَافٍ، سَوَاءٌ أَبْرَأَهُ مِنْ الْحَقِّ أَوْ فَارَقَهُ، وَالْحَقُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَارَقَهُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْهُ. الثَّانِيَةُ، فَارَقَهُ مُكْرَهًا، فَيُنْظَرُ؛ فَإِنْ حُمِلَ مُكْرَهًا حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، لَمْ يَحْنَثْ.

وَإِنْ أُكْرِهَ بِالضَّرْبِ وَالتَّهْدِيدِ، لَمْ يَحْنَثْ. وَفِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: يَحْنَثُ. وَفِي النَّاسِي تَفْصِيلٌ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى. الثَّالِثَةُ، هَرَبَ مِنْهُ الْغَرِيمُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، فَلَا يَحْنَثُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى يَمِينِهِ أَنْ لَا تَحْصُلَ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ، وَقَدْ حَصَلَتْ. وَلَنَا، أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فِي الْفُرْقَةِ، وَمَا فَعَلَ، وَلَا فَعَلَ بِاخْتِيَارِهِ، فَلَمْ يَحْنَثْ، كَمَا لَوْ حَلَفَ: لَا قُمْت. فَقَامَ غَيْرُهُ.

الرَّابِعَةُ، أَذِنَ لَهُ الْحَالِفُ فِي الْفُرْقَةِ، فَفَارَقَهُ، فَمَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَحْنَثُ. وَقَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ الْفُرْقَةَ الَّتِي حَلَفَ إنَّهُ لَا يَفْعَلُهَا. وَلَنَا، أَنَّ مَعْنَى يَمِينِهِ لَأُلْزِمَنَّك. وَإِذَا فَارَقَهُ بِإِذْنِهِ فَمَا لَزِمَهُ، وَيُفَارِقُ مَا إذَا هَرَبَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ فَرَّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ الْخِرَقِيِّ؛ وَلِأَنَّ الْخِرَقِيِّ قَالَ: فَهَرَبَ مِنْهُ. فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا فَارَقَهُ بِغَيْرِ هَرَبٍ، أَنَّهُ يَحْنَثُ. الْخَامِسَةُ، فَارَقَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ، وَلَا هَرَبَ، عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُهُ مُلَازَمَتُهُ، وَالْمَشْيُ مَعَهُ، وَإِمْسَاكُهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَالْحُكْمُ فِيهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا.

السَّادِسَةُ، قَضَاهُ قَدْرَ حَقِّهِ، فَفَارَقَهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ وَفَّاهُ، فَخَرَجَ رَدِيئًا أَوْ بَعْضُهُ، فَيُخَرَّجُ فِي الْحِنْثِ رِوَايَتَانِ؛ بِنَاءً عَلَى النَّاسِي. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، كَالرِّوَايَتَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، يَحْنَثُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، لِأَنَّهُ فَارَقَهُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مُخْتَارًا. وَالثَّانِي، لَا يَحْنَثُ.

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ إذَا وَجَدَهَا زُيُوفًا، وَإِنْ وَجَدَ أَكْثَرَهَا نُحَاسًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ. وَإِنْ وَجَدَهَا مُسْتَحَقَّةً، فَأَخَذَهَا صَاحِبُهَا، خُرِّجَ أَيْضًا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي النَّاسِي؛ لِأَنَّهُ ظَانٌّ أَنَّهُ مُسْتَوْفٍ حَقَّهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَجَدَهَا رَدِيئَةً. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ. وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ عِلْمَ بِالْحَالِ فَفَارَقَهُ، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَفِّهِ حَقَّهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>