إلَى أَنْ يَسْقُطَ. وَلَوْ قَتَلَ حَامِلًا لَمْ يَسْقُطْ جَنِينُهَا، أَوْ ضَرَبَ مَنْ [فِي] جَوْفِهَا حَرَكَةٌ أَوْ انْتِفَاخٌ، فَسَكَّنَ الْحَرَكَةَ وَأَذْهَبَهَا، لَمْ يَضْمَنْ الْجَنِينَ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَقَتَادَةُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَحُكِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ عَلَيْهِ الْغُرَّةَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَتَلَ الْجَنِينَ، فَلَزِمَتْهُ الْغُرَّةُ، كَمَا لَوْ أُسْقِطَتْ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْوَلَدِ إلَّا بِخُرُوجِهِ، وَلِذَلِكَ لَا تَصِحُّ لَهُ وَصِيَّةٌ وَلَا مِيرَاثٌ، وَلِأَنَّ الْحَرَكَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَرِيحٍ فِي الْبَطْنِ سَكَنَتْ، وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ. وَأَمَّا إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا، فَقَدْ تَحَقَّقَ، وَالظَّاهِرُ تَلَفُهُ مِنْ الضَّرْبَةِ، فَيَجِبُ ضَمَانُهُ، سَوَاءٌ أَلْقَتْهُ فِي حَيَاتِهَا، أَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ:
وَقَالَ مَالِكٌ: وَأَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أَلْقَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهَا، لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى أَعْضَائِهَا، وَبِمَوْتِهَا سَقَطَ حُكْمُ أَعْضَائِهَا. وَلَنَا، أَنَّهُ جَنِينٌ تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ، وَعُلِمَ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ، كَمَا لَوْ سَقَطَ فِي حَيَاتِهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ سَقَطَ حَيًّا ضَمِنَهُ، فَكَذَلِكَ إذَا سَقَطَ مَيِّتًا، كَمَا لَوْ أَسْقَطَتْهُ فِي حَيَاتِهَا، وَمَا ذَكَرُوهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ، لَكَانَ إذَا سَقَطَ مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ، لَمْ يَضْمَنْهُ كَأَعْضَائِهَا، وَلِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مَوْرُوثٌ، فَلَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ أُمِّهِ، كَمَا لَوْ خَرَجَ حَيًّا. فَأَمَّا إنْ ظَهَرَ بَعْضُهُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ بَاقِيه، فَفِيهِ الْغُرَّةُ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا تَجِبُ الْغُرَّةُ حَتَّى تُلْقِيَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَوْجَبَ الْغُرَّةَ فِي الْجَنِينِ الَّذِي أَلْقَتْهُ الْمَرْأَةُ؛ وَهَذِهِ لَمْ تُلْقِ شَيْئًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَنَا، أَنَّهُ قَاتِلٌ لِجَنِينِهَا، فَلَزِمَتْهُ الْغُرَّةُ، كَمَا لَوْ ظَهَرَ جَمِيعُهُ، وَيُفَارِقُ مَا لَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ قَتْلَهُ وَلَا وُجُودَهُ. وَكَذَلِكَ إنْ أَلْقَتْ يَدًا، أَوْ رِجْلًا، أَوْ رَأْسًا، أَوْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْآدَمِيِّ، وَجَبَتْ الْغُرَّةُ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ مِنْ جَنِينٍ. وَإِنْ أَلْقَتْ رَأْسَيْنِ، أَوْ أَرْبَعَ أَيْدٍ، لَمْ يَجِبْ أَكْثَرُ مِنْ غُرَّةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَنِينٍ وَاحِدٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَنِينَيْنِ، فَلَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ مَعَ الشَّكِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ؛ وَكَذَلِكَ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ، فَإِنْ أَسْقَطَتْ مَا لَيْسَ فِيهِ صُورَةُ آدَمِيٍّ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ جَنِينٌ.
وَإِنْ أَلْقَتْ مُضْغَةً، فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنْ الْقَوَابِلِ أَنَّ فِيهِ صُورَةً خَفِيَّةً، فَفِيهِ غُرَّةٌ، وَإِنْ شَهِدَتْ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ لَوْ بَقِيَ تَصَوَّرَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَصَحُّهُمَا، لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَصَوَّرْ، فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ، كَالْعَلَقَةِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، فَلَا نَشْغَلُهَا بِالشَّكِّ. وَالثَّانِي، فِيهِ غُرَّةٌ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَصَوَّرَ. وَهَذَا يَبْطُلُ بِالنُّطْفَةِ وَالْعَلَقَةِ.،
[الْفَصْلُ الثَّالِثُ غُرَّة الْعَبْد وَالْأَمَة]
(٦٨٤٤) الْفَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْغُرَّةَ عَبْدٌ أَوْ أُمَّةٌ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ عُرْوَةُ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ: عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute