فَاتَّجَرَ بِهِ. يَصْلُحُ لَهُمَا، وَقَدْ قَرَنَ بِهِ حُكْمَ الْقَرْضِ، فَانْصَرَفَ إلَيْهِ.
وَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: وَلَا ضَمَانَ عَلَيْك. فَهَذَا قَرْضٌ شَرَطَ فِيهِ نَفْيَ الضَّمَانِ، فَلَا يَنْتَفِي بِشَرْطِهِ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، فَقَالَ: خُذْ هَذَا قَرْضًا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْك. وَإِنْ قَالَ: خُذْهُ فَاتَّجَرَ بِهِ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي. كَانَ إبْضَاعًا؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ بِهِ حُكْمَ الْإِبْضَاعِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ. فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: وَعَلَيْك ضَمَانُهُ. لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ أَمَانَةً غَيْرَ مَضْمُونَةٍ، فَلَا يَزُولُ ذَلِكَ بِشَرْطِهِ. وَإِنْ قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَك، أَوْ كُلُّهُ لِي. فَهُوَ عَقْدٌ فَاسِدٌ.
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا قَالَ: وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي كَانَ إبْضَاعًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتِ لَهُ حُكْمَ الْإِبْضَاعِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: يَكُونُ مُضَارَبَةً صَحِيحَةً فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا فِي الْقِرَاضِ، فَإِذَا شَرَطَ لَأَحَدِهِمَا، فَكَأَنَّهُ وَهَبَ الْآخَرَ نَصِيبَهُ، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْعَقْدِ. وَلَنَا، أَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَقْتَضِي كَوْنَ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا شَرَطَ اخْتِصَاصَ أَحَدِهِمَا. بِالرِّبْحِ، فَقَدْ شَرَطَ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَفَسَدَ، كَمَا لَوْ شَرَطَ الرِّبْحَ كُلَّهُ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ لَأَحَدِهِمَا.
وَيُفَارِقُ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَصْلُحُ لِمَا أَثْبَتَ حُكْمَهُ مِنْ الْإِبْضَاعِ وَالْقِرَاضِ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَّحَ بِالْمُضَارَبَةِ. وَمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَصِحُّ قَبْلَ وُجُودِ الْمَوْهُوبِ.
[فَصْلٌ دَفَعَ مَالًا إلَى اثْنَيْنِ مُضَارَبَةً فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ]
(٣٦٥٣) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ مَالًا إلَى اثْنَيْنِ مُضَارَبَةً فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ شَرَطَ لَهُمَا جُزْءًا مِنْ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، جَازَ. وَإِنْ قَالَ: لَكُمَا كَذَا وَكَذَا مِنْ الرِّبْحِ. وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفَ هُوَ، بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ قَوْلِهِ بَيْنَهُمَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَامِلِهِ: وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا. وَإِنْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَ الرِّبْحِ، وَلِلْآخَرِ رُبْعَهُ، وَجَعَلَ الْبَاقِيَ لَهُ، جَازَ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ فِي الْعَمَلِ بِأَبْدَانِهِمَا، فَلَا يَجُوزُ تَفَاضُلُهُمَا فِي الرِّبْحِ كَشَرِيكَيْ الْأَبْدَانِ.
وَلَنَا، أَنَّ عَقْدَ الْوَاحِدِ مَعَ الِاثْنَيْنِ عَقْدَانِ، فَجَازَ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ. وَلِأَنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ بِالْعَمَلِ وَهُمَا يَتَفَاضَلَانِ فِيهِ، فَجَازَ تَفَاضُلُهُمَا فِي الْعِوَضِ، كَالْأَجِيرَيْنِ. وَلَا نُسَلِّمُ وُجُوبَ التَّسَاوِي فِي شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ، بَلْ هِيَ كَمَسْأَلَتِنَا فِي جَوَازِ تَفَاضُلِهِمَا. ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ ذَلِكَ عَقْدٌ وَاحِدٌ، وَهَذَانِ عَقْدَانِ.
[فَصْلٌ قَارِضِ اثْنَانِ وَاحِدًا بِأَلْفِ لَهُمَا]
(٣٦٥٤) فَصْلٌ: وَإِنْ قَارِضِ اثْنَانِ وَاحِدًا بِأَلْفٍ لَهُمَا، جَازَ. وَإِذَا شَرَطَا لَهُ رِبْحًا مُتَسَاوِيًا مِنْهُمَا، جَازَ. وَإِنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا لَهُ النِّصْفَ، وَالْآخَرُ الثُّلُثَ، جَازَ، وَيَكُونُ بَاقِي رِبْحِ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ. وَإِنْ شَرَطَا كَوْنَ الْبَاقِي مِنْ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، لَمْ يَجُزْ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامُ الْقَاضِي يَقْتَضِي جَوَازَهُ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute