للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَعْضَهُ مِنْ مُؤَخَّرِهِ، احْتَمَلَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مُوضِحَتَيْنِ بِوَاحِدَةٍ، وَدِيَتُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ، وَاحْتَمَلَ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ مَوْضِعَ الْجِنَايَةِ وَلَا قَدْرَهَا، إلَّا أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إنَّ فِي ذَلِكَ زِيَادَةَ ضَرَرٍ أَوْ شَيْنٍ، فَلَا يَفْعَلُ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ كَهَذَيْنِ. فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَكْبَرَ، فَأَوْضَحَهُ الْجَانِي فِي مُقَدَّمِهِ وَمُؤَخَّرِهِ مُوضِحَتَيْنِ، قَدْرُهُمَا جَمِيعُ رَأْسِ الْجَانِي، فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُوضِحَهُ مُوضِحَةً وَاحِدَةً فِي جَمِيعِ رَأْسِهِ، أَوْ يُوضِحَهُ مُوضِحَتَيْنِ، يَقْتَصِرُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى قَدْرِ مُوضِحَتِهِ، وَلَا أَرْشَ لِذَلِكَ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الِاسْتِيفَاءَ مَعَ إمْكَانِهِ. وَإِنْ عَفَا إلَى الْأَرْشِ، فَلَهُ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَأَخَذَ دِيَةَ الْأُخْرَى.

[فَصْلٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي غَيْرِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ]

(٦٦٨٣) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي غَيْرِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، فَكَانَتْ فِي سَاعِدٍ، فَزَادَتْ عَلَى سَاعِدِ الْجَانِي، لَمْ يَنْزِلْ إلَى الْكَفِّ، وَلَمْ يَصْعَدْ إلَى الْعَضُدِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي السَّاقِ، لَمْ يَنْزِلْ إلَى الْقَدَمِ، وَلَمْ يَصْعَدْ إلَى الْفَخِذِ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ آخَرُ، فَلَا يَقْتَصُّ مِنْهُ، كَمَا لَمْ يَنْزِلْ مِنْ الرَّأْسِ إلَى الْوَجْهِ، وَلَمْ يَصْعَدْ مِنْ الْوَجْهِ إلَى الرَّأْسِ.

[فَصْلٌ شُجَّ فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهِ أَوْ مُؤَخَّرِهِ عَرْضًا شَجَّةً لَا يَتَّسِعُ لَهَا مِثْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ رَأْسِ الشَّاجِّ]

(٦٦٨٤) فَصْلٌ: وَإِذَا شُجَّ فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهِ أَوْ مُؤَخَّرِهِ عَرْضًا شَجَّةً لَا يَتَّسِعُ لَهَا مِثْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ رَأْسِ الشَّاجِّ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ وَسَطِ الرَّأْسِ، فِيمَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ، لِكَوْنِهِ يَتَّسِعُ لِمِثْلِ تِلْكَ الْمُوضِحَةِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَوْضِعِ الَّذِي شَجَّهُ فِيهِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ مِنْ مَحَلِّ شَجَّتِهِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ عُضْوٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ مِنْ مَحَلِّ شَجَّتِهِ، جَازَ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ شَجَّهُ فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهِ شَجَّةً قَدْرُهَا جَمِيعُ رَأْسِ الشَّاجِّ، جَازَ إتْمَامُ اسْتِيفَائِهَا فِي مُؤَخَّرِ رَأْسِ الْجَانِي. وَهَذَا مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ. وَهَكَذَا يُخَرَّجُ فِيمَا إذَا كَانَ الْجُرْحُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَالذِّرَاعِ وَالْعَضُدِ. وَإِنْ أَمْكَنَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، لَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهُ، وَجْهًا وَاحِدًا.

[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانِ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ]

(٦٦٨٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَكَذَلِكَ إذَا قَطَعَ مِنْهُ طَرَفًا مِنْ مَفْصِلٍ، قَطَعَ مِنْهُ مِثْلَ ذَلِكَ الْمَفْصِلِ، إذَا كَانَ الْجَانِي يُقَادُ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَوْ قَتَلَهُ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى جَرَيَانِ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: ٤٥] .

<<  <  ج: ص:  >  >>