أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَة، أَوْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْكُوفَةِ، إنَّ سَعْيَهُ يُجْزِئُهُ، وَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِمَا تَرَكَ مِنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ. وَلَنَا، أَنَّ مَا أَتَى بِهِ لَا يُجْزِئُهُ إذَا كَانَ بِمَكَّةَ، فَلَا يُجْزِئُهُ إذَا خَرَجَ مِنْهَا، كَمَا لَوْ طَافَ دُونَ الْأَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ.
(٢٥٩١) فَصْلٌ: وَإِذَا تَرَكَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ، بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَلَمْ يَبْقَ مُحْرِمًا إلَّا عَنْ النِّسَاءِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَلَمْ يَبْقَ مُحْرِمًا إلَّا عَنْ النِّسَاءِ خَاصَّةً.
وَإِنْ وَطِئَ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ، وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ، لَكِنْ عَلَيْهِ دَمٌ، وَيُجَدِّدُ إحْرَامَهُ لِيَطُوفَ فِي إحْرَامٍ صَحِيحٍ. قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ، أَوْ اخْتَرَقَ الْحِجْرَ فِي طَوَافِهِ، وَرَجَعَ إلَى بَغْدَادَ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى بَقِيَّةِ إحْرَامِهِ، فَإِنْ وَطِئَ النِّسَاءَ، أَحْرَمَ مِنْ التَّنْعِيمِ، عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلَيْهِ دَمٌ.
وَهَذَا كَمَا قُلْنَا. (٢٥٩٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ كَانَ طَافَ لِلْوَدَاعِ، لَمْ يُجْزِئْهُ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ) وَإِنَّمَا لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ شَرْطٌ فِيهِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَمَنْ طَافَ لِلْوَدَاعِ، فَلَمْ يُعَيِّنْ النِّيَّةَ لَهُ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ.
[مَسْأَلَة عَمَلُ الْقَارِنِ]
(٢٥٩٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَيْسَ فِي عَمَلِ الْقَارِنِ زِيَادَةٌ عَلَى عَمَلِ الْمُفْرِدِ، إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ، وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ) الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ الْقَارِنَ بَيْنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةِ، لَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يَلْزَمُ الْمُفْرِدَ، وَأَنَّهُ يُجْزِئُهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَسَعْيٌ وَاحِدٌ، لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ.
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ، أَنَّ عَلَيْهِ طَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ. وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ اخْتَارَ ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] . وَتَمَامُهُمَا، أَنْ يَأْتِيَ بِأَفْعَالِهِمَا عَلَى الْكَمَالِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْقَارِنِ وَغَيْرِهِ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَعَلَيْهِ طَوَافَانِ» . وَلِأَنَّهُمَا نُسُكَانِ، فَكَانَ لَهُمَا طَوَافَانِ، كَمَا لَوْ كَانَا مُنْفَرِدَيْنِ. وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: «وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّمَا طَافُوا لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي مُسْلِمٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَائِشَةَ، لَمَّا