أَصْحَابُنَا وَجْهًا آخَرَ، أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَقْتَضِي عِوَضًا، فَلَا تَسْقُطُ بِرِضَاهُ بِإِسْقَاطِهِ، كَالنِّكَاحِ، وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْعِوَضُ، فَيَكُونُ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ عَمِلَ فِي مَالِ غَيْرِهِ مُتَبَرِّعًا، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عِوَضًا، كَمَا لَوْ لَمْ يَعْقِدْ الْمُسَاقَاةَ. وَيُفَارِقُ النِّكَاحَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ صَحِيحٌ
فَوَجَبَ بِهِ الْعِوَضُ لِصِحَّتِهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ، لَا يُوجِبُ شَيْئًا. وَالثَّانِي أَنَّ الْأَبْضَاعَ لَا تُسْتَبَاحُ بِالْبَذْلِ وَالْإِبَاحَةِ، وَالْعَمَلُ هَا هُنَا يُسْتَبَاحُ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْمَهْرَ فِي النِّكَاحِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بِالْعَقْدِ، أَوْ بِالْإِصَابَةِ، أَوْ بِهِمَا، فَإِنْ وَجَبَ بِالْعَقْدِ، لَمْ يَصِحَّ قِيَاسُ هَذَا عَلَيْهِ، لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ، وَهَذَا فَاسِدٌ. وَالثَّانِي أَنَّ الْعَقْدَ هَا هُنَا لَا يُوجِبُ، وَلَوْ أَوْجَبَ لَأَوْجَبَ قَبْلَ الْعَمَلِ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ قَبْلَ الْعَمَلِ شَيْئًا، وَإِنْ أَوْجَبَ بِالْإِصَابَةِ، لَمْ يَصِحَّ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّ الْإِصَابَةَ لَا تُسْتَبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ وَالْبَذْلِ، بِخِلَافِ الْعَمَلِ
وَالثَّانِي أَنَّ الْإِصَابَةَ لَوْ خَلَتْ عَنْ الْعَقْدِ لَأَوْجَبَتْ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ. وَإِنْ وَجَبَ بِهِمَا امْتَنَعَ الْقِيَاسُ لِهَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا. فَأَمَّا إنْ سَاقَى أَحَدُهُمَا شَرِيكَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَا مَعًا، فَالْمُسَاقَاةُ فَاسِدَةٌ، وَالثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا، وَيَتَقَاصَّانِ الْعَمَلَ إنْ تَسَاوَيَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا فَضْلٌ نَظَرْت فَإِنْ كَانَ قَدْ شُرِطَ لَهُ فَضْلُ مَا فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، اسْتَحَقَّ مَا فَضَلَ لَهُ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ لَهُ شَيْءٌ، فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا، وَتَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ.
[فَصْلٌ الْمُسَاقَاةُ عَلَى الْبَعْلِ مِنْ الشَّجَرِ وَفِيمَا يَحْتَاجُ إلَى سَقْيٍ]
(٤١١٧) فَصْلٌ: وَتَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَى الْبَعْلِ مِنْ الشَّجَرِ، كَمَا تَجُوزُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى سَقْيٍ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا عِنْدَ مِنْ يُجَوِّزُ الْمُسَاقَاةَ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى الْمُعَامَلَةِ فِي ذَلِكَ، كَدُعَائِهَا إلَى الْمُعَامَلَةِ فِي غَيْرِهِ، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُزَارَعَةِ.
[فَصْلٌ لَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ إلَّا عَلَى شَجَرٍ مَعْلُومٍ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِالصِّفَةِ الَّتِي لَا يُخْتَلَفُ مَعَهَا]
(٤١١٨) فَصْلٌ: وَلَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ إلَّا عَلَى شَجَرٍ مَعْلُومٍ بِالرُّؤْيَةِ، أَوْ بِالصِّفَةِ الَّتِي لَا يُخْتَلَفُ مَعَهَا، كَالْبَيْعِ. فَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute