للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى مَعْهُودِ الشَّرْعِ، وَهُوَ الْوَاجِبُ فِي الْكَفَّارَةِ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِنَذْرِ الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ. فَأَمَّا إنْ نَوَى رَقَبَةً بِعَيْنِهَا، أَجْزَأَهُ عِتْقُهَا، أَيَّ رَقَبَةٍ كَانَتْ؛ لِأَنَّهُ نَوَى بِلَفْظِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ. وَإِنْ نَوَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّقَبَةِ، أَجْزَأَهُ مَا نَوَاهُ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِنَّ الْمُطْلَقَ يَتَقَيَّدُ بِالنِّيَّةِ، كَمَا يَتَقَيَّدُ بِالْقَرِينَةِ اللَّفْظِيَّةِ.

قَالَ أَحْمَدُ، فِيمَنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهُ: تَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقُ عَبْدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ فَاتَهُ، عَلَى حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَإِلَيْهِ أَذْهَبُ فِي الْفَائِتِ، وَمَا عَجَزَ عَنْهُ.

[فَصْلٌ نَذَرَ هَدْيًا مُطْلَقًا]

(٨١٩١) فَصْلٌ: وَإِذَا نَذَرَ هَدْيًا مُطْلَقًا، لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى مَعْهُودِ الشَّرْعِ. وَإِنْ عَيَّنَ الْهَدْيَ بِلَفْظِهِ، أَوْ نِيَّتِهِ، أَجْزَأَهُ مَا عَيَّنَهُ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، جَلِيلًا كَانَ أَوْ حَقِيرًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى هَدْيًا، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا أَهْدَى بَيْضَةً» . وَإِنَّمَا صَرَفْنَا الْمُطْلَقَ إلَى مَعْهُودِ الشَّرْعِ، لِأَنَّهُ غَلَبَ عَلَى الِاسْمِ، كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ، لَزِمَتْهُ صَلَاةٌ شَرْعِيَّةٌ دُونَ اللُّغَوِيَّةِ.

وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ بَدَنَةً، أَوْ بَقَرَةً، أَوْ قَالَ: شَاةً لَزِمَهُ أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ الَّذِي عَيَّنَهُ. فَإِنْ نَذَرَ بَدَنَةً، أَجْزَأَهُ ثَنِيَّةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ ثَنِيٌّ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مِنْ الْإِبِلِ، فَبَقَرَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَسَبْعٌ مِنْ الْغَنَمِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْهُودٍ الشَّرْعِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الْبَقَرَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْبَدَنَةِ، وَكَذَلِكَ سَبْعٌ مِنْ الْغَنَمِ فَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَ الْبَقَرَةِ أَوْ الْغَنَمِ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَدَنَةِ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُجْزِئُهُ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ.

وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ الْخِرَقِيِّ، جَوَازُ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ: وَمِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ، فَذَبَحَ سَبْعًا مِنْ الْغَنَمِ، أَجْزَأَهُ. فَإِنْ نَوَى بِنَذْرِهِ بَدَنَةً مِنْ الْإِبِلِ، لَمْ يُجْزِئْهُ غَيْرُهَا مَعَ وُجُودِهَا، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِإِيجَابِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ فَإِنَّهَا انْصَرَفَتْ إلَى الْإِبِلِ بِمَعْهُودِ الشَّرْعِ، وَمَعْهُودُ الشَّرْعِ فِيهَا أَنْ تَقُومَ الْبَقَرَةُ مَقَامَهَا. فَأَمَّا إنْ نَوَاهَا مِنْ الْإِبِلِ أَوْ غَيْرِهِ، فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا، كَسَائِرِ الْمَنْذُورَاتِ وَكَذَلِكَ إنْ صَرَّحَ بِهَا فِي نَذْرِهِ. مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ نَاقَةً.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَقُومَ الْبَقَرَةُ مَقَامَهَا عِنْدَ عَدَمِهَا؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ هَدْيًا شَرْعِيًّا، وَالْهَدْيُ الشَّرْعِيُّ لَهُ بَدَلٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>