وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ كَقَوْلِنَا، وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ بِنِصْفِهِ الْحُرِّ وَحْدَهُ، وَكَذَلِكَ مَنَعْنَاهُ التَّزْوِيجَ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ وَلَنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِسَيِّدِهِ فِيهَا، وَلَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِاسْتِمْتَاعِهِ مِنْهَا، فَلَمْ يُعْتَبَرْ إذْنُهُ فِيهَا، كَاسْتِخْدَامِهَا، وَأَمَّا التَّزْوِيجُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ بِهِ حُقُوقٌ تَتَعَلَّقُ بِجُمْلَتِهِ فَاعْتُبِرَ رِضَا السَّيِّدِ، لِيَكُونَ رَاضِيًا بِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِمِلْكِهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّ الْحَقَّ لَهُ لَا عَلَيْهِ. فَأَمَّا إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيهِ جَازَ، إلَّا عِنْدَ مَنْ مَنَعَ الْعَبْدَ التَّسَرِّيَ؛ لِأَنَّهُ كَالْقِنِّ فِي قَوْلِهِمْ
[فَصْلٌ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ]
(٥٣١١) فَصْلٌ: نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ مَاهَانَ، عَنْ أَحْمَدَ: لَا بَأْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ، فَإِنْ رَجَعَ السَّيِّدُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إذَا أَذِنَ لَهُ مَرَّةً وَتَسَرَّى، وَكَذَلِكَ نَقَلَ عَنْهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ، وَيَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ، وَلَمْ أَرَ عَنْهُ خِلَافَ هَذَا، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ إذَا تَسَرَّى بِإِذْنِ السَّيِّدِ لَمْ يَمْلِكْ السَّيِّدُ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِهِ الْبُضْعَ، فَلَمْ يَمْلِكْ سَيِّدُهُ فَسْخَهُ، قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّسَرِّي هَاهُنَا التَّزْوِيجَ وَسَمَّاهُ تَسَرِّيًا مَجَازًا، وَيَكُونُ لِلسَّيِّدِ الرُّجُوعُ فِيمَا مَلَكَ عَبْدُهُ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ خِلَافُ هَذَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ بُضْعًا أُبِيحَ لَهُ وَطْؤُهُ، فَلَمْ يَمْلِكْ رُجُوعَهُ فِيهِ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مُنَاقِضٌ لِمَا ذَكَرَ قَبْلَهُ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ، مِنْ قَوْلِهِ: وَلِسَيِّدِهِ نَزْعُهُ مِنْهُ مَتَى شَاءَ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ.
[مَتَى طَلَّقَ الْحُرُّ أَوْ الْعَبْدُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا]
(٥٣١٢) قَالَ: (وَمَتَى طَلَّقَ الْحُرُّ أَوْ الْعَبْدُ طَلَاقًا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ أَوْ لَا يَمْلِكُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَكَذَلِكَ إذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ أَرْبَعٍ، لَمْ يَتَزَوَّجْ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ) . وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا عَلَى التَّأْبِيدِ، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ أُخْتُهَا وَعَمَّتُهَا وَخَالَتُهَا وَبِنْتُ أَخِيهَا وَبِنْتُ أُخْتِهَا تَحْرِيمَ جَمْعٍ وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَ الْحُرُّ أَرْبَعًا، حَرُمَتْ الْخَامِسَةُ تَحْرِيمَ جَمْعٍ وَإِنْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ، حَرُمَتْ الثَّالِثَةُ تَحْرِيمَ جَمْعٍ فَإِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا، فَالتَّحْرِيمُ بَاقٍ بِحَالِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ فَسْخًا، فَكَذَلِكَ عِنْدَ إمَامِنَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَهُ نِكَاحُ جَمِيعِ مَنْ سَمَّيْنَا فِي تَحْرِيمِ الْجَمْعِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ الْجَمْعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute