عِدَّتُهُ
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدَةٍ أَطُولُ الْأَجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَعِدَّةِ الطَّلَاقِ لَكِنَّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ مِنْ حِينِ طَلَّقَ وَعِدَّةَ الْوَفَاةِ مِنْ حِينِ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا الْمُطَلَّقَةُ فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ فَلَا تَبْرَأُ يَقِينًا إلَّا بِأَطْوَلِهِمَا وَهَذَا فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ فَأَمَّا الرَّجْعِيُّ؛ فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ.
[فَصْلٌ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا فَأَنْكَرَهَا]
(٦٠٥٢) فَصْلٌ: إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا فَأَنْكَرَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَعَدَمُ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا بِمَا ادَّعَتْهُ بَيِّنَةٌ وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا عَدْلَانِ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ: أَتَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الطَّلَاقِ؟ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالُ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ فَلَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إلَّا عَدْلَانِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَهَلْ يُسْتَحْلَفُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ نَقَلَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَقَوْلُهُ: «الْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الزَّوْجِ بَذْلُهُ فَيُسْتَحْلَفُ فِيهِ كَالْمَهْرِ
وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْهُ: لَا يُسْتَحْلَفُ فِي الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ فَلَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ كَالنِّكَاحِ إذَا ادَّعَى زَوْجِيَّتَهَا فَأَنْكَرَتْهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا وَسَمِعَتْ ذَلِكَ وَأَنْكَرَ أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهَا بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ لَمْ يَحِلَّ لَهَا تَمْكِينُهُ مِنْ نَفْسِهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَفِرَّ مِنْهُ مَا اسْتَطَاعَتْ وَتَمْتَنِعَ مِنْهُ إذَا أَرَادَهَا وَتَفْتَدِيَ مِنْهُ إنْ قَدَرَتْ قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَسَعُهَا أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ وَقَالَ أَيْضًا: تَفْتَدِي مِنْهُ بِمَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أُجْبِرَتْ عَلَى ذَلِكَ فَلَا تَزَّيَّنُ لَهُ وَلَا تُقِرُّ بِهِ وَتَهْرُبُ إنْ قَدَرَتْ وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَهَا عَدْلَانِ غَيْرُ مُتَّهَمَيْنِ فَلَا تُقِيمُ مَعَهُ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ
قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَابْنُ سِيرِينَ: تَفِرُّ مِنْهُ مَا اسْتَطَاعَتْ وَتَفْتَدِي مِنْهُ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو عُبَيْدٍ: تَفِرُّ مِنْهُ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَتَزَيَّنُ لَهُ وَلَا تُبْدِي لَهُ شَيْئًا مِنْ شَعْرِهَا وَلَا عَرِيَّتِهَا وَلَا يُصِيبُهَا إلَّا وَهِيَ مُكْرَهَةٌ، وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ يُسْتَحْلَفُ ثُمَّ يَكُونُ الْإِثْمُ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُونَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تَعْلَمُ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ وَالْفِرَارُ مِنْهُ كَسَائِرِ الْأَجْنَبِيَّاتِ وَهَكَذَا لَوْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ كَذِبًا وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدَيْ زُورٍ فَحَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ بِالزَّوْجِيَّةِ أَوْ لَوْ تَزَوَّجَهَا تَزْوِيجًا بَاطِلًا وَسُلِّمَتْ إلَيْهِ بِذَلِكَ فَالْحُكْمُ فِي هَذَا كُلِّهِ كَالْحُكْمِ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا.
[فَصْلٌ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ جَحَدَ طَلَاقَهَا]
(٦٠٥٣) فَصْلٌ: وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ جَحَدَ طَلَاقَهَا لَمْ تَرِثْهُ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute