فِيهِ مَاءُ اللَّحْمِ وَدُهْنُهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَحْمٍ. وَأَمَّا الْمِثْلُ، فَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الْمَجَازُ، كَمَا فِي نَظَائِرِهِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: الدُّعَاءُ أَحَدُ الصَّدَقَتَيْنِ. وَقِلَّةُ الْعِيَالِ أَحَدُ الْيَسَارَيْنِ. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَحْمٍ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا غَيْرَ اللَّحْمِ الْحَقِيقِيِّ.
(٨١٤٧) فَصْلٌ: وَإِنْ أَكَلَ رَأْسًا، أَوْ كَارِعًا، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا، فَاشْتَرَى رَأْسًا أَوْ كَارِعًا، لَا يَحْنَثُ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ مِنْ الشَّاةِ شَيْئًا. قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ اللَّحْمِ لَا يَتَنَاوَلُ الرُّءُوسَ وَالْكَوَارِعَ، وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ لَحْمٍ، فَاشْتَرَى رَأْسًا أَوْ كَارِعًا، لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيُسَمَّى بَائِعُ ذَلِكَ رَآَّسًا، وَلَا يُسَمَّى لَحَّامًا.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخَدِّ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ بِالْيَمِينِ. وَإِنْ أَكَلَ اللِّسَانَ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً. وَالثَّانِي: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَرِدُ عَنْ اللَّحْمِ بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ، فَأَشْبَهَ الْقَلْبَ.
[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَلَّا يَأْكُلُ الشَّحْمَ فَأَكَلَ اللَّحْم]
(٨١٤٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (فَإِنْ حَلَفَ أَلَّا يَأْكُلَ الشَّحْمَ، فَأَكَلَ اللَّحْمَ، حَنِثَ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ لَا يَخْلُو مِنْ شَحْمٍ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّ الشَّحْمَ كُلُّ مَا يَذُوبُ بِالنَّارِ مِمَّا فِي الْحَيَوَانِ، فَظَاهِرُ الْآيَةِ وَالْعُرْفِ يَشْهَدُ لِقَوْلِهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَطَلْحَةَ، وَقَالَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. فَعَلَى هَذَا، لَا يَكَادُ لَحْمٌ يَخْلُو مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنْ قَلَّ، فَيَحْنَثُ بِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: الشَّحْمُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْجَوْفِ، مِنْ شَحْمِ الْكُلَى أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الشَّاةِ، مِنْ لَحْمِهَا الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ، وَالْأَلْيَةِ، وَالْكَبِدِ، وَالطِّحَالِ، وَالْقَلْبِ، فَقَالَ شَيْخُنَا: لَا يَحْنَثُ - يَعْنِي ابْنَ حَامِدٍ - لِأَنَّ اسْمَ الشَّحْمِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي أَنَّ شَحْمَ الظَّهْرِ وَالْجَنْبِ شَحْمٌ، فَيَحْنَثُ بِهِ.
وَأَمَّا إنْ أَكَلَ لَحْمًا أَحْمَرَ وَحْدَهُ، لَا يَظْهَرُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الشَّحْمِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ شَحْمٍ وَإِنْ قَلَّ، وَيَظْهَرُ فِي الطَّبْخِ، فَإِنَّهُ يَبِينُ عَلَى وَجْهِ الْمَرَقِ، وَإِنْ قَلَّ، وَبِهَذَا يُفَارِقُ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا، فَأَكَلَ خَبِيصًا فِيهِ سَمْنٌ لَا يَظْهَرُ فِيهِ طَعْمُهُ وَلَا لَوْنُهُ، فَإِنَّ هَذَا قَدْ يَظْهَرُ الدُّهْنُ فِيهِ. وَقَالَ غَيْرُ الْخِرَقِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا يَحْنَثُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى شَحْمًا، وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ طَعْمُهُ وَلَا لَوْنُهُ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي الْمَرَقِ قَدْ فَارَقَ اللَّحْمَ، فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ اللَّحْمِ الَّذِي كَانَ فِيهِ.
(٨١٤٩) فَصْلٌ: وَيَحْنَثُ بِالْأَكْلِ مِنْ الْأَلْيَةِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَمُوَافِقِيهِ؛ لِأَنَّهَا دُهْنٌ يَذُوبُ بِالنَّارِ، وَيُبَاعُ مَعَ الشَّحْمِ، وَلَا يُبَاعُ مَعَ اللَّحْمِ. وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي وَمُوَافِقِيهِ: لَيْسَتْ شَحْمًا وَلَا لَحْمًا، فَلَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى تَرْكِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute