وَسِرَايَة الْقَوَدِ، وَلِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ الْقَطْعَ كَانَ قَتْلًا، فَيَكُونُ قَاتِلًا لَعَبْدِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَعْتِقْهُ. وَهَذَا بِمُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. وَالثَّانِي: يَضْمَنُهُ بِمَا زَادَ عَلَى أَرْشِ الْقَطْعِ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ حُرٌّ بِسِرَايَةِ قَطْعِ عُدْوَانٍ، فَيَضْمَنُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ أَجْنَبِيًّا، لَكِنْ يَسْقُطُ أَرْشُ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ، وَيَجِبُ الزَّائِدُ لِوَرَثَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ سِوَاهُ، وَجَبَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يَرِثُ السَّيِّدُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ.
[مَسْأَلَة قَتَلَ رَجُلٌ اثْنَيْنِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ]
(٦٦٧٣) مَسْأَلَة؛ قَالَ: (وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ اثْنَيْنِ، وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَاتَّفَقَ أَوْلِيَاءُ الْجَمِيعِ عَلَى الْقَوَدِ، أُقِيدَ لَهُمَا. وَإِنْ أَرَادَ وَلِيُّ الْأَوَّلِ الْقَوَدَ، وَالثَّانِي الدِّيَةَ، أُقِيدَ لِلْأَوَّلِ، وَأُعْطِيَ أَوْلِيَاءُ الثَّانِي الدِّيَةَ مِنْ مَالِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ أَوْلِيَاءُ الْأَوَّلِ الدِّيَةَ، وَالثَّانِي الْقَوَدَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَتَلَ اثْنَيْنِ، فَاتَّفَقَ أَوْلِيَاؤُهُمَا عَلَى قَتْلِهِ بِهِمَا، قُتِلَ بِهِمَا. وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الْقَوَدَ، وَالْآخَرُ الدِّيَةَ، قُتِلَ لِمَنْ اخْتَارَ أَرَادَ الْقَوَدَ، وَأُعْطِيَ أَوْلِيَاءُ الثَّانِي الدِّيَةَ مِنْ مَالِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُخْتَارُ لِلْقَوَدِ الثَّانِيَ أَوْ الْأَوَّلَ، وَسَوَاءٌ قَتَلَهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً، أَوْ دَفْعَتَيْنِ. فَإِنْ بَادَرَ أَحَدُهُمَا فَقَتَلَهُ، وَجَبَ لِلْآخَرِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، أَيِّهِمَا كَانَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: يُقْتَلُ بِالْجَمَاعَةِ، لَيْسَ لَهُمْ إلَّا ذَلِكَ، وَإِنْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ الدِّيَةَ، فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ بَادَرَ أَحَدُهُمْ فَقَتَلَهُ، سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَوْ قَتَلُوا وَاحِدًا قُتِلُوا بِهِ، فَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَهُمْ وَاحِدٌ قُتِلَ بِهِمْ، كَالْوَاحِدِ بِالْوَاحِدِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُقْتَلُ إلَّا بِوَاحِدٍ، سَوَاءٌ اتَّفَقُوا عَلَى طَلَبِ الْقِصَاصِ أَوْ لَمْ يَتَّفِقُوا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ، فَاشْتِرَاكُهُمْ فِي الْمُطَالَبَةِ لَا يُوجِبُ تَدَاخُلَ حُقُوقِهِمْ، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَلَنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ؛ إنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ» . فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ أَهْلَ كُلِّ قَتِيلٍ يَسْتَحِقُّونَ مَا اخْتَارُوهُ مِنْ الْقَتْلِ أَوْ الدِّيَةِ، فَإِذَا اتَّفَقُوا عَلَى الْقَتْلِ وَجَبَ لَهُمْ، وَإِنْ اخْتَارَ بَعْضُهُمْ الدِّيَةَ، وَجَبَ لَهُ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُمَا جِنَايَتَانِ لَا يَتَدَاخَلَانِ إذَا كَانَتَا خَطَأً أَوْ إحْدَاهُمَا، فَلَمْ يَتَدَاخَلَا فِي الْعَمْدِ، كَالْجِنَايَاتِ عَلَى الْأَطْرَافِ، وَقَدْ سَلَّمُوهَا.
وَلَنَا عَلَى الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ مَحَلٌّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقَّانِ، لَا يَتَّسِعُ لَهُمَا مَعًا، رَضِيَ الْمُسْتَحِقَّانِ بِهِ عَنْهُمَا، فَيَكْتَفِي بِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدَيْنِ خَطَأً فَرَضِيَ بِأَخْذِهِ عَنْهُمَا، وَلِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِدُونِ حَقِّهِمَا فَجَازَ، كَمَا لَوْ رَضِيَ صَاحِبُ الصَّحِيحَةِ بِالشَّلَّاءِ، أَوْ وَلِيُّ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ، وَوَلِيُّ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ. وَفَارَقَ مَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً؛ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَالذِّمَّةُ تَتَّسِعُ لَحُقُوقٍ كَثِيرَةٍ.
وَمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ قُتِلُوا بِالْوَاحِدِ، لِئَلَّا يُؤَدِّيَ الِاشْتِرَاكُ إلَى إسْقَاطِ الْقِصَاصِ، تَغْلِيظًا لِلْقِصَاصِ، وَمُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute