للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي وُجُودِهِ، فَشُكَّ فِي إعْتَاقِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَصْلُ حَيَاتُهُ. قُلْنَا: إلَّا أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَقَدْ وُجِدَتْ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ انْقِطَاعُ أَخْبَارِهِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ بَعْدَ هَذَا كَوْنُهُ حَيًّا تَبَيَّنَّا صِحَّةَ عِتْقِهِ وَبَرَاءَةَ الذِّمَّةِ مِنْ الْكَفَّارَةِ، وَإِلَّا فَلَا.

[فَصْلٌ أَعْتَقَ غَيْرُهُ عَنْهُ فِي كَفَّارَة الْيَمِينِ]

(٨٠٣٦) فَصْلٌ: وَإِنْ أَعْتَقَ غَيْرُهُ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، لَمْ يَقَعْ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ، إذَا كَانَ حَيًّا، وَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْ كَفَّارَتِهِ، وَإِنْ نَوَى ذَلِكَ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَنْ وَاجِبٍ عَلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ قَضَى عَنْهُ وَاجِبًا فَصَحَّ، كَمَا لَوْ قَضَى عَنْهُ دَيْنًا. وَلَنَا، أَنَّهُ عِبَادَةٌ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ، فَلَمْ يَصِحَّ أَدَاؤُهَا عَمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، مَعَ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْأَمْرِ، كَالْحَجِّ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ عَنْ الْمُكَفِّرِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، كَالصِّيَامِ.

وَهَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَفَّرَ عَنْهُ بِإِطْعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ فِي الصِّيَامِ بِإِذْنِهِ، وَلَا بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، فَلَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ. فَأَمَّا إنْ أَعْتَقَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، نَظَرْت؛ فَإِنْ جَعَلَ لَهُ عِوَضًا، صَحَّ الْعِتْقُ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ، وَلَهُ وَلَاؤُهُ، وَأَجْزَأَ عَنْ كَفَّارَتِهِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ.

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ الْعِتْقُ عَنْهُ بِمَالِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ وَوَكَّلَ الْبَائِعَ فِي إعْتَاقِهِ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عِوَضًا، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ، وَيُجْزِئُ فِي كَفَّارَتِهِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ بِأَمْرِهِ، فَصَحَّ كَمَا لَوْ شَرَطَ عِوَضًا. وَالْأُخْرَى، لَا يُجْزِئُ، وَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ، وَبِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ، وَمِنْ شَرْطِ الْهِبَةِ الْقَبْضُ، وَلَمْ يَحْصُلْ، فَلَمْ يَقَعْ عَنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَفَارَقَ الْبَيْعَ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ.

فَإِنْ كَانَ الْمُعْتَقُ عَنْهُ مَيِّتًا، نَظَرْت؛ فَإِنْ وَصَّى بِالْعِتْقِ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ وَإِنْ لَمْ يُوَصِّ بِهِ، فَأَعْتَقَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُ، وَإِنْ أَعْتَقَ عَنْهُ وَارِثُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَاجِبٌ، لَمْ يَصِحَّ الْعِتْقُ عَنْهُ، وَوَقَعَ عَنْ الْمُعْتِقِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ عِتْقٌ وَاجِبٌ، صَحَّ الْعِتْقُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ لَهُ فِي مَالِهِ وَأَدَاءِ وَاجِبَاتِهِ.

فَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَكَسَا عَنْهُ أَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ، جَازَ، وَإِنْ أَعْتَقَ عَنْهُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ، فَجَرَى مَجْرَى التَّطَوُّعِ. وَالثَّانِي يُجْزِئُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ وَاجِبًا، لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَيَّنُ فِيهِ بِالْفِعْلِ، فَأَشْبَهَ الْمُعَيَّنَ مِنْ الْعِتْقِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَجَازَ أَنْ يَفْعَلَهُ عَنْهُ، كَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ. وَلَوْ قَالَ مَنْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ: أَطْعِمْ عَنْ كَفَّارَتِي. أَوْ: اُكْسُ فَفَعَلَ، صَحَّ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، سَوَاءٌ ضَمِنَ لَهُ عِوَضًا، أَوْ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ عِوَضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>