وَلَا يَفِرُّ إذَا لَاقَى» . وَفِي رِوَايَةٍ: «وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ. فَقُلْت: إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
[مَسْأَلَةُ الْهِلَالَ إذَا رُئِيَ نَهَارًا قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ رَمَضَانَ]
(٢١٢٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا رُئِيَ الْهِلَالُ نَهَارًا، قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ، فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ الْهِلَالَ إذَا رُئِيَ نَهَارًا قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ رَمَضَان، لَمْ يُفْطِرُوا بِرُؤْيَتِهِ. وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ: إنْ رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. رَوَاهُ سَعِيدٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» . وَقَدْ رَأَوْهُ، فَيَجِبُ الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ، وَلِأَنَّ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ أَقْرَبُ إلَى الْمَاضِيَةِ.
وَحُكِيَ هَذَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ. وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو وَائِلٍ، قَالَ: جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ، وَنَحْنُ بِخَانِقِينَ، أَنَّ الْأَهِلَّةَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ نَهَارًا فَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تُمْسُوا، إلَّا أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بِالْأَمْسِ عَشِيَّةً. وَلِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَخَبَرُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا رُئِيَ عَشِيَّةً، بِدَلِيلِ مَا لَوْ رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ. ثُمَّ إنَّ الْخَبَرَ إنَّمَا يَقْتَضِي الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ مِنْ الْغَدِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ رَآهُ عَشِيَّةً.
فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ فِي أَوَّلِ رَمَضَان، فَالصَّحِيحُ أَيْضًا، أَنَّهُ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ لِلْمَاضِيَةِ، فَيَلْزَمُ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَإِمْسَاكُ بَقِيَّتِهِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ فِي آخِرِهِ، فَهُوَ لَهَا فِي أَوَّلِهِ، كَمَا لَوْ رُئِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ.
[مَسْأَلَةُ تَأْخِيرُ السَّحُورِ وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ]
[الْفَصْلُ الْأَوَّل فِي تَعْجِيل السُّحُورِ]
(٢١٢٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالِاخْتِيَارُ تَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَصْلَيْنِ: (٢١٢٨) أَحَدُهُمَا، فِي السَّحُورِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاء؛ أَحَدُهَا، فِي اسْتِحْبَابِهِ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا. وَقَدْ رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَسَحَّرُوا؛ فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السَّحُورُ بَرَكَةٌ، فَلَا تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ يُجَرَّعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً