الْأَوَّلِ، وَيَغْرَمُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: هِيَ لِمَالِكِهَا، وَالْآخَرُ مُتَبَرِّعٌ بِالنَّفَقَةِ، لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مَهْلَكَةٍ، وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، كَمَا لَوْ بَنَى دَارِهِ
وَلَنَا مَا رَوَى الشَّعْبِيُّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ وَجَدَ دَابَّةً قَدْ عَجَزَ عَنْهَا أَهْلُهَا، فَسَيَّبُوهَا، فَأَخَذَهَا، فَأَحْيَاهَا، فَهِيَ لَهُ» . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَقُلْت - يَعْنِي لِلشَّعْبِيِّ -: مَنْ حَدَّثَك بِهَذَا؟ قَالَ: غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ. وَفِي لَفْظٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَرَكَ دَابَّةً بِمَهْلَكَةٍ، فَأَحْيَاهَا رَجُلٌ، فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا»
وَلِأَنَّ فِي الْحُكْمِ بِمِلْكِهَا إحْيَاءَهَا وَإِنْقَاذَهَا مِنْ الْهَلَاكِ، وَحِفْظًا لِلْمَالِ عَنْ الضَّيَاعِ، وَمُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَةِ الْحَيَوَانِ، وَفِي الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ تَضْيِيعٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ، مِنْ غَيْرِ مَصْلَحَةٍ تَحْصُلُ، وَلِأَنَّهُ نُبِذَ رَغْبَةً عَنْهُ وَعَجْزًا عَنْ أَخْذِهِ، فَمَلَكَهُ آخِذُهُ، كَالسَّاقِطِ مِنْ السُّنْبُلِ، وَسَائِرِ مَا يَنْبِذُهُ النَّاسُ رَغْبَةً عَنْهُ.
[فَصْل تَرَكَ مَتَاعًا فَخَلَّصَهُ إنْسَانٌ]
(٤٥٥٤) فَصْلٌ: وَإِنْ تَرَكَ مَتَاعًا، فَخَلَّصَهُ إنْسَانٌ، لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ، كَالْخَشْيَةِ عَلَى الْحَيَوَانِ، فَإِنَّ الْحَيَوَانَ يَمُوتُ إذَا لَمْ يُطْعَمْ وَيُسْقَى، وَتَأْكُلُهُ السِّبَاعُ، وَالْمَتَاعُ يَبْقَى حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ صَاحِبُهُ. وَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ عَبْدًا، لَمْ يُمْلَكْ بِأَخْذِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي الْعَادَةِ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ إلَى الْأَمَاكِنِ الَّتِي يَعِيشُ فِيهَا، بِخِلَافِ الْبَهِيمَةِ. وَلَهُ أَخْذُ الْعَبْدِ وَالْمَتَاعِ لِيُخَلِّصَهُ لِصَاحِبِهِ، وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي تَخْلِيصِ الْمَتَاعِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ عَلَى قِيَاسِهِ
قَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ فِي وُجُوبِ الْأَجْرِ، عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ أَوْ أَمَرَهُ بِهِ، فَأَمَّا إنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ شَيْئًا، فَلَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ جُعْلٍ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، كَالْمُلْتَقِطِ. وَهَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ فَإِنَّهُ لَوْ جَعَلَ لَهُ جُعْلًا لَاسْتَحَقَّهُ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ، وَيُفَارِقُ هَذَا الْمُلْتَقِطَ، فَإِنَّ الْمُلْتَقِطَ لَمْ يُخَلِّصْ اللُّقَطَةَ مِنْ الْهَلَاكِ، وَلَوْ تَرَكَهَا أَمْكَنَ أَنْ يَرْجِعَ صَاحِبُهَا فَيَطْلُبَهَا مِنْ مَكَانِهَا فَيَجِدَهَا، وَهَا هُنَا إنْ لَمْ يُخْرِجْهُ هَذَا ضَاعَ وَهَلَكَ، وَلَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ صَاحِبُهُ، فَفِي جَعْلِ الْأَجْرِ فِيهِ حِفْظٌ لِلْأَمْوَالِ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ، فَجَازَ ذَلِكَ كَالْجُعْلِ فِي الْآبِقِ.
وَلِأَنَّ اللُّقَطَةَ جَعَلَ فِيهَا الشَّارِعُ مَا يَحُثُّ عَلَى أَخْذِهَا، وَهُوَ مِلْكُهَا إنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا، فَاكْتُفِيَ بِهِ عَنْ الْأَجْرِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُشْرَعَ فِي هَذَا مَا يَحُثُّ عَلَى تَخْلِيصِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلَيْسَ إلَّا الْأَجْرُ. فَأَمَّا مَا أَلْقَاهُ رُكَّابُ الْبَحْرِ فِيهِ، خَوْفًا مِنْ الْغَرَقِ، فَلَمْ أَعْلَمْ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ قَوْلًا، سِوَى عُمُومِ قَوْلِهِمْ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَ هَذَا مَنْ أَخَذَهُ. وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، فِي مَنْ أَخْرَجَهُ، قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute