مُتَوَقِّفٍ عَلَى إبْطَالِ الْمُصَلِّي صَلَاتَهُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ كَمَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ وُجِدَ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ.
(٣٨٦) فَصْلٌ: وَإِذَا قُلْنَا لَا يَلْزَمُ الْمُصَلِّي الْخُرُوجُ لِرُؤْيَةِ الْمَاءِ، فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي مَقْصُودِ الْبَدَلِ، فَخُيِّرَ بَيْنَ الرُّجُوعِ إلَى الْمُبْدَلِ، وَبَيْنَ إتْمَامِ مَا شَرَعَ فِيهِ، كَمَنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ، ثُمَّ أَمْكَنَهُ الرَّقَبَةُ. وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُوجِبُ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ لَا يُبِيحُ الْخُرُوجَ مِنْهَا، كَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ، كَهَذَيْنِ.
[فَصْل رَأَى مَاءً فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ انْقَلَبَ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ]
(٣٨٧) فَصْلٌ: إذَا رَأَى مَاءً فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ انْقَلَبَ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ، فَإِنْ قُلْنَا يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ. فَقَدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَتَيَمُّمُهُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَيَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ، وَإِنْ قُلْنَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. وَانْدَفَقَ وَهُوَ فِيهَا، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ صَلَاةً أُخْرَى. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْمَاءِ حَرَّمَتْ عَلَيْهِ افْتِتَاحَ صَلَاةٍ أُخْرَى. وَلَوْ تَلَبَّسَ بِنَافِلَةٍ، ثُمَّ رَأَى مَاءً؛ فَإِنْ كَانَ نَوَى عَدَدًا، أَتَى بِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى عَدَدًا، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الصَّلَاةِ، عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّيْخُ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّنَا إذَا قُلْنَا لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ. فَلَهُ افْتِتَاحُ صَلَاةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْمَاءِ لَمْ تُبْطِلْ التَّيَمُّمَ، وَلَوْ بَطَلَ لَبَطَلَتْ الصَّلَاةُ، وَمَا وُجِدَ بَعْدَهَا لَا يُبْطِلُهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَآهُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُ سَبُعٌ ثُمَّ انْدَفَقَ قَبْلَ زَوَالِ الْمَانِعِ، وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَا يَشَاءُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَرَ الْمَاءَ.
[فَصْل تَيَمَّمَ ثُمَّ رَأَى رَكْبًا يَظُنُّ أَنَّ مَعَهُ مَاءً]
(٣٨٨) فَصْلٌ: إذَا تَيَمَّمَ، ثُمَّ رَأَى رَكْبًا يَظُنُّ أَنَّ مَعَهُ مَاءً، وَقُلْنَا بِوُجُوبِ الطَّلَبِ، أَوْ رَأَى خُضْرَةً، أَوْ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى الْمَاءِ فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ فِيهِ، بَطَلَ تَيَمُّمُهُ، وَكَذَلِكَ إنْ رَأَى سَرَابًا ظَنَّهُ مَاءً، بَطَلَ تَيَمُّمُهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الطَّلَبُ بَطَلَ التَّيَمُّمُ. وَسَوَاءٌ تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ ظَنِّهِ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ. فَأَمَّا إنْ رَأَى الرَّكْبَ أَوْ الْخُضْرَةَ فِي الصَّلَاةِ، لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَا تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيهَا بِطَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ، فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَبْطُلَ تَيَمُّمُهُ أَيْضًا، إذَا كَانَ خَارِجًا مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ الْمُتَيَقَّنَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشَّكِّ، كَطَهَارَةِ الْمَاءِ، وَوُجُوبُ الطَّلَبِ لَيْسَ بِمُبْطِلٍ لِلتَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مُبْطِلًا إنَّمَا يَثْبُتُ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَلَيْسَ فِي هَذَا نَصٌّ، وَلَا مَعْنَى نَصٍّ، فَيَنْتَفِي الدَّلِيلُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute