وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعْثًا قِبَلَ أَوْطَاسٍ، فَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا، فَكَأَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحَرَّجُوا مِنْ غَشَيَانِهِنَّ، مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] . قَالَ: فَهُنَّ لَهُمْ حَلَالٌ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ.» وَعَنْهُ «، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ: لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً» . رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد. وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَهُمْ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي إبَاحَتِهِنَّ، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَكْثَرُ سَبَايَاهُمْ مِنْ كُفَّارِ الْعَرَبِ، وَهُمْ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ، فَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَ تَحْرِيمَهُنَّ لِذَلِكَ، وَلَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْرِيمُهُنَّ، وَلَا أَمَرَ الصَّحَابَةَ بِاجْتِنَابِهِنَّ، وَقَدْ دَفَعَ أَبُو بَكْرٍ إلَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ امْرَأَةً مِنْ بَعْضِ السَّبْيِ، نَفَلَهَا إيَّاهُ، وَأَخَذَ عُمَرُ وَابْنُهُ مِنْ سَبْيِ هَوَازِنَ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالْحَنَفِيَّةُ أُمُّ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ سَبْيِ بَنِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ أَخَذَ الصَّحَابَةُ سَبَايَا فَارِسَ، وَهُمْ مَجُوسٌ، فَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُمْ اجْتَنَبُوهُنَّ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي إبَاحَتِهِنَّ، لَوْلَا اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى خِلَافِهِ.
وَقَدْ أَجَبْت عَنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِأَجْوِبَةٍ، مِنْهَا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُنَّ أَسْلَمْنَ، كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سَأَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ قَالَ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: هَوَازِنُ أَلَيْسَ كَانُوا عَبَدَةَ أَوْثَانٍ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي كَانُوا أَسْلَمُوا أَوْ لَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إبَاحَةُ وَطْئِهِنَّ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: ٢٢١] . (٥٣٩٩)
[مَسْأَلَةٌ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً كِتَابِيَّةً]
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً كِتَابِيَّةً) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: ٢٥] . هَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَكْحُولٍ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَإِسْحَاقَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَمُجَاهِدٍ. وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّهَا تَحِلُّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَحَلَّتْ بِالنِّكَاحِ كَالْمُسْلِمَةِ.
وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِتَزْوِيجِهَا. إلَّا أَنَّ الْخَلَّالَ رَدَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَقَالَ: إنَّمَا تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِيهَا، وَلَمْ يَنْفُذْ لَهُ قَوْلٌ، وَمَذْهَبُهُ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: ٢٥] . فَشَرَطَ فِي إبَاحَةِ نِكَاحِهِنَّ الْإِيمَانَ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَتُفَارِقُ الْمُسْلِمَةَ، لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى اسْتِرْقَاقِ الْكَافِرِ وَلَدَهَا، لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُقَرُّ مِلْكُهُ عَلَى مُسْلِمَةٍ، وَالْكَافِرَةُ تَكُونُ مِلْكًا لَكَافِرٍ، وَيُقَرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا. وَوَلَدُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute