لَا عَلَى شَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَعَمَلُ غَيْرِهِ لَيْسَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مُعَيَّنٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى مُعَيَّنًا، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ غَيْرَهُ، وَلَا يُبَدِّلْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَعَ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ إبْدَالُ الْمَعِيبِ، وَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِتَلَفِ مَا تَسَلَّمَهُ، وَالْمَبِيعُ الْمُعَيَّنُ بِخِلَافِهِ، فَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ. وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ، لَكِنَّهُ لَا يَقُومُ غَيْرُ الْأَجِيرِ مَقَامَهُ، كَالنَّسْخِ، فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ الْقَصْدُ فِيهِ بِاخْتِلَافِ الْخُطُوطِ، لَمْ يُكَلَّفْ إقَامَةَ غَيْرِهِ مَقَامَهُ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ قَبُولُ ذَلِكَ إنْ بَذَلَهُ الْأَجِيرُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ لَا يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ النَّاسِخِ، كَحُصُولِهِ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي نَوْعٍ، فَسَلَّمَ إلَيْهِ غَيْرَهُ
وَهَكَذَا كُلُّ مَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ.
[فَصْلٌ الِاسْتِئْجَارُ لِحَفْرِ الْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ وَالْقُنِيِّ]
(٤١٨٨) فَصْلٌ: يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِحَفْرِ الْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ وَالْقُنِيِّ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ، يَجُوزُ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهَا الرَّجُلُ عَلَى غَيْرِهِ، فَجَازَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ، كَالْخِدْمَةِ. وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْعَمَلِ بِمُدَّةٍ، أَوْ عَمَلٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ قَيَّدَهُ بِمُدَّةٍ نَحْوِ أَنْ يَقُولَ: اسْتَأْجَرْتُك شَهْرًا، لِتَحْفِرَ لِي بِئْرًا أَوْ نَهْرًا. لَمْ يَحْتَجْ إلَى مَعْرِفَةِ الْقَدْرِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْفِرَ ذَلِكَ الشَّهْرَ، قَلِيلًا حَفَرَ أَوْ كَثِيرًا. وَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَرْضِ الَّتِي يَحْفِرُ فِيهَا. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهَا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ قَدْ تَكُونُ صُلْبَةً فَيَكُونُ الْحَفْرُ عَلَيْهِ شَاقًّا، وَقَدْ تَكُونُ سَهْلَةً، فَيَسْهُلُ ذَلِكَ عَلَيْهِ
وَإِنْ قَدَّرَهُ بِالْعَمَلِ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَوْضِعِ بِالْمُشَاهَدَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوَاضِعَ تَخْتَلِفُ بِالسُّهُولَةِ وَالصَّلَابَةِ، وَلَا يَنْضَبِطُ ذَلِكَ بِالصِّفَةِ. وَيَعْرِفُ دَوْرَ الْبِئْرِ، وَعُمْقَهَا، وَطُولَ النَّهْرِ، وَعُمْقَهُ، وَعَرْضَهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ. فَإِذَا حَفَرَ بِئْرًا، فَعَلَيْهِ شَيْلُ التُّرَابِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْحَفْرُ إلَّا بِذَلِكَ، فَقَدْ تَضَمَّنَهُ الْعَقْدُ. فَإِنْ تَهَوَّرَ تُرَابٌ مِنْ جَانِبَيْهَا، أَوْ سَقَطَتْ فِيهِ بَهِيمَةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْلُهُ، وَكَانَ عَلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ فِيهَا مِنْ مِلْكِهِ، وَلَمْ يَتَضَمَّنْ عَقْدُ الْإِجَارَةِ رَفْعَهُ. وَإِنْ وَصَلَ إلَى صَخْرَةٍ أَوْ جَمَادٍ يَمْنَعُ الْحَفْرَ، لَمْ يَلْزَمْهُ حَفْرُهُ
لِأَنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا شَاهَدَهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ مُشَاهَدَةُ الْأَرْضِ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ، فَإِذَا ظَهَرَ فِيهَا مَا يُخَالِفُ الْمُشَاهَدَةَ، كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ، فَإِذَا فَسَخَ، كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِصَّةِ مَا عَمِلَ فَيُقَسَّطُ الْأَجْرُ عَلَى مَا بَقِيَ وَمَا عَمِلَ، فَيُقَالُ: كَمْ أَجْرُ مَا عَمِلَ؟ وَكَمْ أَجْرُ مَا بَقِيَ؟ ، وَيُقَسَّطُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى عَلَيْهِمَا. وَلَا يَجُوزُ تَقْسِيطُهُ عَلَى عَدَدِ الْأَذْرُعِ؛ لِأَنَّ أَعْلَى الْبِئْرِ يَسْهُلُ نَقْلُ التُّرَابِ مِنْهُ، وَأَسْفَلَهُ يَشُقُّ ذَلِكَ فِيهِ. وَإِنْ نَبَعَ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْحَفْرِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّخْرَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
[فَصْلٌ الِاسْتِئْجَارُ لِضَرْبِ اللَّبَن]
(٤١٨٩) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِضَرْبِ اللَّبِنِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَيَكُونُ عَلَى مُدَّةٍ أَوْ عَمَلٍ، فَإِنْ قَدَّرَهُ بِالْعَمَلِ، احْتَاجَ إلَى تَبْيِينِ عَدَدِهِ، وَذِكْرِ قَالَبِهِ، وَمَوْضِعِ الضَّرْبِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ؛ لِكَوْنِ التُّرَابِ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ أَسْهَلَ، وَالْمَاءِ أَقْرَبَ. فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ قَالَبٌ مَعْرُوفٌ لَا يَخْتَلِفُ جَازَ، كَمَا إذَا كَانَ الْمِكْيَالُ مَعْرُوفًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute