وَأَقَلُّ أَحْوَالِ النَّهْيِ الْكَرَاهَةُ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَا يَتَوَرَّعُونَ عَنْ النَّجَاسَةِ، وَلَا تَسْلَمُ آنِيَتُهُمْ مِنْ أَطْعِمَتِهِمْ، وَأَدْنَى مَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ الْكَرَاهَةُ، وَأَمَّا ثِيَابُهُمْ فَمَا لَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ، أَوْ عَلَا مِنْهَا؛ كَالْعِمَامَةِ وَالطَّيْلَسَانِ وَالثَّوْبِ الْفَوْقَانِيِّ، فَهُوَ طَاهِرٌ، لَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ، وَمَا لَاقَى عَوْرَاتِهِمْ؛ كَالسَّرَاوِيلِ وَالثَّوْبِ السُّفْلَانِيِّ وَالْإِزَارِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ، يَعْنِي: مَنْ صَلَّى فِيهِ. فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي. وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، الْإِزَارَ وَالسَّرَاوِيلَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَعَبَّدُونَ. بِتَرْكِ النَّجَاسَةِ، وَلَا يَتَحَرَّزُونَ مِنْهَا، فَالظَّاهِرُ نَجَاسَةُ مَا وَلِيَ مَخْرَجَهَا.
وَالثَّانِي لَا يَجِبُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ. الضَّرْبُ الثَّانِي: غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُمْ الْمَجُوسُ، وَعَبَدَةُ الْأَوْثَانِ، وَنَحْوُهُمْ، فَحُكْمُ ثِيَابِهِمْ حُكْمُ ثِيَابِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَأَمَّا أَوَانِيهِمْ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُسْتَعْمَلُ مَا اسْتَعْمَلُوهُ مِنْ آنِيَتِهِمْ؛ لِأَنَّ أَوَانِيَهُمْ لَا تَخْلُو مِنْ أَطْعِمَتِهِمْ، وَذَبَائِحُهُمْ مَيْتَةٌ، فَلَا تَخْلُو أَوَانِيهِمْ مِنْ وَضْعِهَا فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ حُكْمُهُمْ حُكْمُ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَثِيَابُهُمْ وَأَوَانِيهِمْ طَاهِرَةٌ، مُبَاحَةُ الِاسْتِعْمَالِ، مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ نَجَاسَتَهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ تَوَضَّئُوا مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، مِثْلُ قَوْلِ الْقَاضِي، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمَجُوسِ: لَا يُؤْكَلُ مِنْ طَعَامِهِمْ إلَّا الْفَاكِهَةُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ نَجَاسَةُ آنِيَتِهِمْ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي أَطْعِمَتِهِمْ، فَأَشْبَهَتْ السَّرَاوِيلَاتِ مِنْ ثِيَابِهِمْ. وَمَنْ يَأْكُلُ الْخِنْزِيرَ مِنْ النَّصَارَى، فِي مَوْضِعٍ يُمْكِنُهُمْ أَكْلُهُ، أَوْ يَأْكُلُ الْمِيتَةَ، أَوْ يَذْبَحُ بِالسِّنِّ وَالظُّفْرِ وَنَحْوِهِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِاتِّفَاقِهِمْ فِي نَجَاسَةِ أَطْعِمَتِهِمْ. وَمَتَى شَكَّ فِي الْإِنَاءِ؛ هَلْ اسْتَعْمَلُوهُ فِي أَطْعِمَتِهِمْ، أَوْ لَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ، فَهُوَ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ.
وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي إبَاحَةِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الَّذِي يَنْسِجُهُ الْكُفَّارُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ، إنَّمَا كَانَ لِبَاسُهُمْ مِنْ نَسْجِ الْكُفَّارِ. فَأَمَّا ثِيَابُهُمْ، الَّتِي يَلْبَسُونَهَا، فَأَبَاحَ الصَّلَاةَ فِيهَا الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي ثَوْبِ الْكُفَّارِ: يَلْبَسُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْ صَلَّى فِيهِ يُعِيدُ، مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ. وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، وَلَمْ تَتَرَجَّحْ جِهَةُ التَّنْجِيسِ فِيهِ، فَأَشْبَهَ مَا نَسَجَهُ الْكُفَّارُ.
[فَصْل الصَّلَاةُ فِي ثِيَابِ الصِّبْيَانِ]
(٩٨) فَصْلٌ: وَتُبَاحُ الصَّلَاةُ فِي ثِيَابِ الصِّبْيَانِ، مَا لَمْ تَتَيَقَّنْ نَجَاسَتُهَا وَبِذَلِكَ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute