مِنْهُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ، وَفِيهِ الْغُرَّةُ، وَلَا يَرِثُ مِنْهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَوَلَدُ السَّيِّدِ مِنْ أَمَتِهِ وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ مِنْ أَمَةٍ حُرٌّ. وَكَذَلِكَ لَوْ وُطِئَتْ الْأَمَةُ بِشُبْهَةٍ، فَوَلَدُهَا حُرٌّ، وَفِيهِ الْغُرَّةُ. فَأَمَّا إنْ كَانَ الْجَنِينُ مَحْكُومًا بِرِقِّهِ، لَمْ تَجِبْ فِيهِ الْغُرَّةُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِهِ. وَأَمَّا جَنِينُ الْكِتَابِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ إذَا كَانَ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ، فَفِيهِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَمْ أَحْفَظْ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ جَنِينَ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ مَضْمُونٌ بِعُشْرِ دِيَةِ أُمِّهِ، فَكَذَلِكَ جَنِينُ الْكَافِرَةِ، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَ الرَّأْيِ يَرَوْنَ أَنَّ دِيَةَ الْكَافِرَةِ كَدِيَةِ الْمُسْلِمَةِ، فَلَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُمْ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ، فَإِنْ كَانَ أَبَوَا الْجَنِينِ كَافِرَيْنِ مُخْتَلِفًا دِينُهُمَا، كَوَلَدِ الْكِتَابِيِّ مِنْ الْمَجُوسِيَّةِ، وَالْمَجُوسِيِّ مِنْ الْكِتَابِيَّةِ، اعْتَبَرْنَاهُ بِأَكْثَرِهِمَا دِيَةً، فَنُوجِبُ فِيهِ عُشْرَ دِيَةِ كِتَابِيَّةٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْمُسْلِمَةِ مِنْ الْكَافِرَةِ مُعْتَبَرٌ بِأَكْثَرِهِمَا دِيَةً، كَذَا هَاهُنَا. وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ كَوْنِ الْجَنِينِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا. وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ كِتَابِيَّةٍ حَامِلًا مِنْ كِتَابِيٍّ، فَأَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ، ثُمَّ أَسْقَطَتْهُ، فَفِيهِ الْغُرَّةُ. فِي قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ، وَالْجَنِينُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ عِنْدَ اسْتِقْرَارِهَا. وَفِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي الْخَطَّابِ: فِيهِ عُشْرُ دِيَةِ كِتَابِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ فِي حَالِ الْغُرَّةِ. وَإِنْ ضَرَبَ بَطْنَ أَمَةٍ فَأُعْتِقَتْ، ثُمَّ أَلْقَتْ الْجَنِينَ، فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي، فِيهِ غُرَّةٌ، وَفِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي الْخَطَّابِ، فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ عَبْدًا. وَيُمْكِنُ مَنْعُ كَوْنِهِ عَبْدًا وَيُمْكِنُ مَنْعَ كَوْنِهِ صَارَ حُرًّا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَلَفُهُ بِالْجِنَايَةِ، وَبَعْدَ تَلَفِهِ لَا يُمْكِنُ تَحْرِيرُهُ.
وَعَلَى قَوْلِ هَذَيْنِ، يَكُونُ الْوَاجِبُ فِيهِ لِسَيِّدِهِ. وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ لِلسَّيِّدِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْغُرَّةِ أَوْ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ الْغُرَّةَ إنْ كَانَتْ أَكْثَرَ، لَمْ يَسْتَحِقَّ الزِّيَادَةَ، لِأَنَّهَا زَادَتْ بِالْحُرِّيَّةِ الْحَاصِلَةِ بِزَوَالِ مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلِّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ بِإِعْتَاقِهِ، فَلَا يَضْمَنُ لَهُ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ مَاتَ بِسِرَايَةِ الْجِنَايَةِ، كَانَ لَهُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ دِيَةِ حُرٍّ أَوْ نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَمَا فَضَلَ عَنْ حَقِّ السَّيِّدِ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ. فَأَمَّا إنْ ضَرَبَ بَطْنَ الْأَمَةِ، فَأَعْتَقَ السَّيِّدُ جَنِينَهَا وَحْدَهُ، نَظَرْت؛ فَإِنْ أَسْقَطَتْهُ حَيًّا لَوَقْتٍ يَعِيشُ مِثْلُهُ، فَفِيهِ دِيَةُ حُرٍّ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
وَإِنْ كَانَ لَوَقْتٍ [لَا] يَعِيشُ مِثْلُهُ، فَفِيهِ غُرَّةٌ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، عَلَيْهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ. وَإِنْ أَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا، فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ كَوْنَهُ حَيًّا حَالَ إعْتَاقِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الْغُرَّةُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَيَاتِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَعْتَقَ أُمَّهُ.
[الْفَصْلُ الثَّانِي تَجِبُ الْغُرَّةُ إذَا سَقَطَ الْجَنِينُ مِنْ الضَّرْبَةِ]
(٦٨٤٣) الْفَصْلُ الثَّانِي: إنَّ الْغُرَّةَ إنَّمَا تَجِبُ إذَا سَقَطَ مِنْ الضَّرْبَةِ، وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِأَنْ يَسْقُطَ عَقِيبَ الضَّرْبِ، أَوْ بِبَقَائِهَا مُتَأَلِّمَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute