وَيَتَخَيَّرُ الْمَنَازِلَ لِأَصْحَابِهِ، وَإِذَا وَجَدَ رَجُلٌ رَجُلًا قَدْ أُصِيبَتْ فَرَسُهُ، وَمَعَ الْآخَرِ فَضْلٌ، اُسْتُحِبَّ لَهُ حَمْلُهُ، وَلَمْ يَجِبْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَإِنْ خَافَ تَلَفَهُ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ فَضْلِ مَرْكُوبِهِ؛ لِيُحْيِيَ بِهِ صَاحِبَهُ، كَمَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ فَضْلِ طَعَامِهِ لِلْمُضْطَرِّ إلَيْهِ، وَتَخْلِيصُهُ مِنْ عَدُوِّهِ.
[فَصْلٌ الرَّجُلَيْنِ يَشْتَرِيَانِ الْفَرَسَ بَيْنَهُمَا يَغْزُوَانِ عَلَيْهِ]
(٧٤٤٢) فَصْلٌ وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الرَّجُلَيْنِ يَشْتَرِيَانِ الْفَرَسَ بَيْنَهُمَا، يَغْزُوَانِ عَلَيْهِ، يَرْكَبُ هَذَا عَقَبَةً وَهَذَا عَقَبَةً: مَا سَمِعْت فِيهِ بِشَيْءٍ، وَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ. قِيلَ لَهُ: أَيُّمَا أَحَبُّ إلَيْك؟ يَعْتَزِلُ الرَّجُلُ فِي الطَّعَامِ أَوْ يُرَافِقُ؟ قَالَ: يُرَافِقُ، هَذَا أَرْفَقُ، يَتَعَاوَنُونَ، وَإِذَا كُنْت وَحْدَك لَمْ يُمْكِنْك الطَّبْخُ وَلَا غَيْرُهُ، وَلَا بَأْسَ بِالنَّهَدِ، قَدْ تَنَاهَدَ الصَّالِحُونَ، وَكَانَ الْحَسَنُ إذَا سَافَرَ أَلْقَى مَعَهُمْ، وَيَزِيدُ أَيْضًا بَعْدَمَا يُلْقِي.
وَمَعْنَى النَّهَدِ، أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرُّفْقَةِ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ، يَدْفَعُونَهُ إلَى رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ، وَيَأْكُلُونَ جَمِيعًا، وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَدْفَعُ إلَى وَكِيلِهِمْ مِثْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَأْتِي سِرًّا بِمِثْلِ ذَلِكَ، يَدْفَعُهُ إلَيْهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: مَا أَرَى أَنْ يَغْزُوَ وَمَعَهُ مُصْحَفٌ.
يَعْنِي لَا يَدْخُلُ بِهِ أَرْضَ الْعَدُوِّ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ
[مَسْأَلَةٌ اسْتِئْذَانُ الْأَمِيرِ فِي الْغَزْوِ فِي كُلِّ شَيْءٍ]
(٧٤٤٣) مَسْأَلَةٌ وَإِذَا غَزَا الْأَمِيرُ بِالنَّاسِ، لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَلَّفَ، وَلَا يَحْتَطِبَ، وَلَا يُبَارِزَ عِلْجًا، وَلَا يَخْرُجَ مِنْ الْعَسْكَرِ، وَلَا يُحْدِثَ حَدَثًا، إلَّا بِإِذْنِهِ يَعْنِي لَا يَخْرُجُ مِنْ الْعَسْكَرِ لِتَعَلُّفٍ، وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعَلَفِ لِلدَّوَابِّ، وَلَا لِاحْتِطَابٍ، وَلَا غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْأَمِيرِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النور: ٦٢] {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: ٦٢] .
وَلِأَنَّ الْأَمِيرَ أَعْرَفُ بِحَالِ النَّاسِ، وَحَالِ الْعَدُوِّ، وَمَكَامِنِهِمْ، وَمَوَاضِعِهِمْ، وَقُرْبِهِمْ وَبُعْدِهِمْ. فَإِذَا خَرَجَ خَارِجٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ، لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يُصَادِفَ كَمِينًا لِلْعَدُوِّ، فَيَأْخُذُوهُ، أَوْ طَلِيعَةً لَهُمْ، أَوْ يَرْحَلَ الْأَمِيرُ بِالْمُسْلِمِينَ وَيَتْرُكَهُ فَيَهْلِكَ. وَإِذَا كَانَ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ، لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ إلَّا إلَى مَكَان آمِنٍ، وَرُبَّمَا يَبْعَثُ مَعَهُمْ مِنْ الْجَيْشِ مَنْ يَحْرُسُهُمْ وَيَطَّلِعُ لَهُمْ.
وَأَمَّا الْمُبَارَزَةُ، فَتَجُوزُ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا الْحَسَنَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهَا، وَكَرِهَهَا. وَلَنَا، أَنَّ حَمْزَةَ، وَعَلِيًّا وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ، بِإِذْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute