وَبَارَزَ عَلِيٌّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ فَقَتَلَهُ. وَبَارَزَ مَرْحَبًا يَوْمَ حُنَيْنٍ. وَقِيلَ بَارَزَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَبَارَزَهُ قَبْلَ ذَلِكَ عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ فَاسْتُشْهِدَ.
وَبَارَزَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ مَرْزُبَانَ الزَّأْرَةِ فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ سَلَبَهُ فَبَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَتَلْت تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَئِيسًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ مُبَارَزَةً، سِوَى مَنْ شَارَكْت فِيهِ.
وَبَارَزَ شِبْرُ بْنُ عَلْقَمَةَ أَسْوَارًا فَقَتَلَهُ، فَبَلَغَ سَلَبُهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، فَنَفَلَهُ إيَّاهُ سَعْدٌ وَلَمْ يَزَلْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَارِزُونَ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ وَبَعْدَهُ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا، وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ يُقْسِمُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: ١٩] .
نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ تَبَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُمْ حَمْزَةُ، وَعَلِيٌّ، وَعُبَيْدَةُ، بَارَزُوا عُتْبَةَ، وَشَيْبَةَ، وَالْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ، وَقَالَ أَبُو قَتَادَةُ بَارَزْت رَجُلًا يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَتَلْته.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَأْذَنَ الْأَمِيرُ فِي الْمُبَارَزَةِ إذَا أَمْكَنَ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ وَرَخَّصَ فِيهَا مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ لِخَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ مَنْ حَكَيْنَا عَنْهُمْ الْمُبَارَزَةَ، لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُمْ اسْتِئْذَانٌ.
وَلَنَا أَنَّ الْإِمَامَ أَعْلَمُ بِفُرْسَانِهِ وَفُرْسَانِ الْعَدُوِّ، وَمَتَى بَرَزَ الْإِنْسَانُ إلَى مَنْ لَا يُطِيقُهُ، كَانَ مُعَرِّضًا نَفْسَهُ لِلْهَلَاكِ، فَيَكْسِرُ قُلُوبَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَوَّضَ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ، لِيَخْتَارَ لِلْمُبَارَزَةِ مَنْ يَرْضَاهُ لَهَا، فَيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى الظَّفَرِ وَجَبْرِ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَبَحْتُمْ لَهُ أَنْ يَنْغَمِسَ فِي الْكُفَّارِ، وَهُوَ سَبَبٌ لِقَتْلِهِ. قُلْنَا: إذَا كَانَ مُبَارِزًا تَعَلَّقَتْ قُلُوبُ الْجَيْشِ بِهِ، وَارْتَقَبُوا ظَفَرَهُ، فَإِنْ ظَفِرَ جَبَرَ قُلُوبَهُمْ، وَسَرَّهُمْ، وَكَسَرَ قُلُوبَ الْكُفَّارِ، وَإِنْ قُتِلَ كَانَ بِالْعَكْسِ، وَالْمُنْغَمِسُ يَطْلُبُ الشَّهَادَةَ، لَا يَتَرَقَّبُ مِنْهُ ظَفَرٌ وَلَا مُقَاوَمَةٌ.
فَافْتَرَقَا.
وَأَمَّا مُبَارَزَةُ أَبِي قَتَادَةُ فَغَيْرُ لَازِمَةٍ، فَإِنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ، رَأَى رَجُلًا يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ مُسْلِمًا، فَضَرَبَهُ أَبُو قَتَادَةُ، فَضَمَّهُ ضَمَّةً كَادَ يَقْتُلُهُ.
وَلَيْسَ هَذَا هُوَ الْمُبَارَزَةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا، بَلْ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا أَنْ يَبْرُزَ رَجُلٌ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَبْلَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ، يَدْعُو إلَى الْمُبَارَزَةِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعْتَبَرُ لَهُ إذْنُ الْإِمَامِ، لِأَنَّ عَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ تَمْتَدُّ إلَيْهِمَا، وَقُلُوبَ الْفَرِيقَيْنِ تَتَعَلَّقُ بِهِمَا، وَأَيُّهُمَا غَلَبَ سَرَّ أَصْحَابَهُ، وَكَسَرَ قُلُوبَ أَعْدَائِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالْمُبَارَزَةُ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ مُسْتَحَبَّةٍ، وَمُبَاحَةٍ، وَمَكْرُوهَةٍ، أَمَّا الْمُسْتَحَبَّةُ؛ فَإِذَا خَرَجَ عِلْجٌ يَطْلُبُ الْبِرَازَ، اُسْتُحِبَّ لِمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ وَالشَّجَاعَةَ مُبَارَزَتُهُ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ.
لِأَنَّ فِيهِ رَدًّا عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَإِظْهَارًا لِقُوَّتِهِمْ. وَالْمُبَاحُ؛ أَنْ يَبْتَدِئَ الرَّجُلُ الشُّجَاعُ بِطَلَبِهَا، فَيُبَاحُ وَلَا يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا،