وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَتْ الْأَخِيرَةُ سَجْدَةً؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ فِيهَا بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. فَقَالَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: ٧٧] فَلَمْ تَكُنْ سَجْدَةً، كَقَوْلِهِ {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: ٤٣] . وَلَنَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: «قُلْت لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلَا يَقْرَأْهُمَا.» وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ مُخَالِفًا فِي عَصْرِهِمْ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً يَسْجُدُونَ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ كُنْتُ تَارِكًا إحْدَاهُمَا لَتَرَكْتُ الْأُولَى. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأُولَى إخْبَارٌ، وَالثَّانِيَةَ أَمْرٌ، وَاتِّبَاعُ الْأَمْرِ أَوْلَى. وَذِكْرُ الرُّكُوعِ لَا يَقْتَضِي تَرْكَ السُّجُودِ، كَمَا ذُكِرَ الْبُكَاءُ فِي قَوْلِهِ {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: ٥٨] ، وَقَوْلِهِ: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: ١٠٩] .
[فَصْلٌ مَوَاضِعُ السُّجُود فِي الْقُرْآن]
(٨٦٠) فَصْلٌ: وَمَوَاضِعُ السُّجُودِ: آخِرُ الْأَعْرَافِ: {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: ٢٠٦] ، وَفِي الرَّعْدِ {وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [الرعد: ١٥] ، وَفِي النَّحْلِ: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: ٥٠] وَفِي بَنِي إسْرَائِيلَ: {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: ١٠٩] . وَفِي مَرْيَمَ: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: ٥٨] وَفِي الْحَجِّ: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: ١٨] وَقَوْلُهُ: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: ٧٧] . وَفِي الْفُرْقَانِ: {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: ٦٠] . وَفِي النَّمْلِ: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: ٢٦] . وَفِي الم السَّجْدَةِ: {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: ١٥] . وَفِي حم تَنْزِيلٌ: {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: ٣٨] . وَآخِرُ النَّجْمِ: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: ٦٢] . وَفِي الِانْشِقَاقِ: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: ٢١] . وَآخِرُ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: ١] .
وَقَالَ مَالِكٌ: السُّجُودُ فِي حم عِنْدَ: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: ٣٧] . لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالسُّجُودِ هُنَاكَ فِيهَا. وَلَنَا، أَنَّ تَمَامَ الْكَلَامِ فِي الثَّانِيَةِ، فَكَانَ السُّجُودُ بَعْدَهَا، كَمَا فِي سُورَةِ النَّحْلِ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: ٥٠] وَذَكَرَ السُّجُودَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، كَذَا هَاهُنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute