للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٨٤٧٦) فَصْلٌ: وَمَتَى عَلِمَ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَا بِالزُّورِ، تَبَيَّنَ أَنَّ الْحُكْمَ كَانَ بَاطِلًا، وَلَزِمَ نَقْضُهُ، لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا كَذِبَهُمَا فِيمَا شَهِدَا بِهِ، وَبُطْلَانَ مَا حُكْمَ بِهِ؛ فَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ مَالًا، رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ إتْلَافًا، فَعَلَى الشَّاهِدَيْنِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُمَا سَبَبُ إتْلَافِهِ، إلَّا أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْ غَيْرِ مُوَافَقَةِ الْمَحْكُومِ لَهُ، فَيَكُونَ ذَلِكَ رُجُوعًا مِنْهُمَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا، وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ ذَلِكَ.

[فَصْل تَابَ شَاهِدُ الزُّورِ وَأَتَتْ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةٌ تَظْهَرُ فِيهَا تَوْبَتُهُ]

(٨٤٧٧) فَصْلٌ: فَإِذَا تَابَ شَاهِدُ الزُّورِ، وَأَتَتْ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةٌ تَظْهَرُ فِيهَا تَوْبَتُهُ، وَتَبَيَّنَ صِدْقُهُ فِيهَا، وَعَدَالَتُهُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ تَائِبٌ مِنْ ذَنْبِهِ، فَقُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، كَسَائِرِ التَّائِبِينَ. وَقَوْلُهُ: لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ ذَلِكَ. قُلْنَا: مُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ؛ بِدَلِيلِ سَائِرِ التَّائِبِينَ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُمْ مُعَاوَدَةُ ذُنُوبِهِمْ وَلَا غَيْرِهَا، وَشَهَادَتُهُمْ مَقْبُولَةٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَة غَيَّرَ الْعَدْلُ شَهَادَتَهُ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ]

مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا غَيَّرَ الْعَدْلُ شَهَادَتَهُ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ، فَزَادَ فِيهَا أَوْ نَقَصَ، قُبِلَتْ مِنْهُ، مَا لَمْ يَحْكُمْ بِشَهَادَتِهِ) وَهَذَا مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ بِمِائَةٍ، ثُمَّ يَقُولَ: هِيَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ. أَوْ يَقُولَ: بَلْ هِيَ تِسْعُونَ. فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ رُجُوعُهُ، وَيُحْكَمُ بِمَا شَهِدَ بِهِ أَخِيرًا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَبِيبٍ الْمُحَارِبِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ الْأُولَى وَلَا الْآخِرَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَرُدُّ الْأُخْرَى وَتُعَارِضُهَا، وَلِأَنَّ الْأُولَى مَرْجُوعٌ عَنْهَا، وَالثَّانِيَةَ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهَا لِأَنَّهَا مِنْ مُقِرٍّ بِغَلَطِهِ وَخَطَئِهِ فِي شَهَادَتِهِ، فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ فِي الْغَلَطِ كَالْأُولَى.

وَقَالَ مَالِكٌ: يُؤْخَذُ بِأَقَلِّ قَوْلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الشَّهَادَةَ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ، فَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ عَنْهَا، كَمَا لَوْ اتَّصَلَ بِهَا الْحُكْمُ. وَلَنَا، أَنَّ شَهَادَتَهُ الْآخِرَةَ شَهَادَةٌ مِنْ عَدْلٍ غَيْرِ مُتَّهَمٍ، لَمْ يَرْجِعْ عَنْهَا، فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا مَا يُخَالِفُهَا، وَلَا تُعَارِضُهَا الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَطَلَتْ بِرُجُوعِهِ عَنْهَا، وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا شَرْطُ الْحُكْمِ، فَيُعْتَبَرُ اسْتِمْرَارُهَا إلَى انْقِضَائِهِ. وَيُفَارِقُ رُجُوعَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَمَّ بِاسْتِمْرَارِ شَرْطِهِ، فَلَا يُنْقَضُ بَعْدَ تَمَامِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>