للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّ عُثْمَانَ تَغَيَّظَ عَلَيْهَا، وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْجَلْدُ فِي الزِّنَى، فَإِنَّهُ تَأْدِيبٌ، وَلِلسَّيِّدِ تَأْدِيبُ عَبْدِهِ، بِخِلَافِ الْقَتْلِ. فَإِنْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ، أَسَاءَ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ غَيْرُ مَعْصُومٍ، وَسَوَاءٌ قَتَلَهُ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ أَوْ بَعْدَهَا؛ لِذَلِكَ. وَعَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ التَّعْزِيرُ؛ لِإِسَاءَتِهِ وَافْتِيَاتِهِ.

[مَسْأَلَةٌ مَالُ الْمُرْتَدّ فَيْئًا بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ]

(٧٠٩٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَكَانَ مَالُهُ فَيْئًا بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَجُمْلَتُهُ، أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا قُتِلَ، أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ، فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَأَرْشِ جِنَايَتِهِ، وَنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ وَقَرِيبِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُقُوقَ لَا يَجُوزُ تَعْطِيلُهَا، وَأَوْلَى مَا يُوجَدُ مِنْ مَالِهِ، وَمَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ فَيْءٌ يُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لِقَرَابَتِهِ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ. وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَوْفَاةً فِي الْفَرَائِضِ بِمَا أَغْنَى عَنْ ذِكْرِهَا هَاهُنَا.

[فَصْلٌ لَا يَحْكُم بِزَوَالِ مِلْكِ الْمُرْتَدِّ بِمُجَرَّدِ رِدَّتِهِ]

(٧٠٩١) فَصْلٌ: وَلَا يُحْكَمُ بِزَوَالِ مِلْكِ الْمُرْتَدِّ بِمُجَرَّدِ رِدَّتِهِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. فَعَلَى هَذَا، إنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ، زَالَ مِلْكُهُ بِمَوْتِهِ، وَإِنْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ، فَمِلْكُهُ بَاقٍ لَهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَزُولُ مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ، وَإِنْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ عَادَ إلَيْهِ تَمْلِيكًا مُسْتَأْنَفًا؛ لِأَنَّ عِصْمَةَ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِإِسْلَامِهِ، فَزَوَالُ إسْلَامِهِ يُزِيلُ عِصْمَتَهُمَا، كَمَا لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَلَكُوا إرَاقَةَ دَمِهِ بِرِدَّتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكُوا مَالَهُ بِهَا.

وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: مَالُهُ مَوْقُوفٌ؛ إنْ أَسْلَمَ تَبَيَّنَّا بَقَاءَ مِلْكِهِ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ تَبَيَّنَّا زَوَالَهُ مِنْ حِينِ رِدَّتِهِ. قَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، كَهَذِهِ الثَّلَاثَةِ. وَلَنَا، أَنَّهُ سَبَبٌ يُبِيحُ دَمَهُ، فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ، كَزِنَى الْمُحْصَنِ، وَالْقَتْلِ لِمَنْ يُكَافِئُهُ عَمْدًا، وَزَوَالُ الْعِصْمَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ زَوَالُ الْمِلْكِ، بِدَلِيلِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَالْقَاتِلِ فِي الْمُحَارَبَةِ، وَأَهْلِ الْحَرْبِ، فَإِنَّ مِلْكَهُمْ، ثَابِتٌ مَعَ عِصْمَتِهِمْ، وَلَوْ لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارِ الْحَرْبِ، لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ، لَكِنْ يُبَاحُ قَتْلُهُ - لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ -، وَأَخْذُ مَالِهِ - لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ -، لِأَنَّهُ صَارَ حَرْبِيًّا، حُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَدَّ جَمَاعَةٌ وَامْتَنَعُوا فِي دَارِهِمْ عَنْ طَاعَةِ إمَامِ الْمُسْلِمِينَ، زَالَتْ عِصْمَتُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ الْأَصْلِيِّينَ لَا عِصْمَةَ لَهُمْ فِي دَارِهِمْ، فَالْمُرْتَدُّ أَوْلَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>