للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا الَّذِي عَقَرَهُ وَلَمْ يُثْبِتْهُ، فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ ضَرَبَهُ كَانَ مُبَاحًا لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى امْتِنَاعِهِ، وَأَمَّا الَّذِي أَثْبَتَهُ فَقَدْ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ امْتِنَاعَهُ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ إمْسَاكِهِ، فَإِذَا ضَرَبَهُ الثَّالِثُ فَقَتَلَهُ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ.

وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ جُرْحَ الْمُثْبَتِ لَيْسَ بِمُوحٍ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ نَسَبَ الْقَتْلَ إلَى الثَّالِثِ، وَيَضْمَنُهُ مَجْرُوحًا حِينَ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَهُمَا فِيهِ. فَأَمَّا إبَاحَتُهُ، فَيُنْظَرُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ أَصَابَ مَذْبَحَهُ حَلَّ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ مَحَلَّ الذَّبْحِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا أَرْشُ ذَبْحِهِ، كَمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةً لِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ أَصَابَ غَيْرَ مَذْبَحِهِ لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَثْبَتَهُ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، فَإِذَا قَتَلَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ، كَمَا لَوْ قَتَلَ شَاةً.

وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ.

[فَصْلٌ رَمَى صَيْدًا فَأَثْبَتَهُ ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ فَأَصَابَهُ]

(٧٧٣٣) فَصْلٌ: وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَأَثْبَتَهُ، ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ فَأَصَابَهُ، لَمْ تَخْلُ رَمْيَةُ الْأَوَّلِ مِنْ قِسْمَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنْ تَكُونَ مُوحِيَةً، مِثْلُ أَنْ تَنْحَرَهُ، أَوْ تَذْبَحَهُ، أَوْ تَقَعَ فِي خَاصِرَتِهِ أَوْ قَلْبِهِ، فَيُنْظَرَ فِي رَمْيَةِ الثَّانِي، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُوحِيَةٍ، فَهُوَ حَلَالٌ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الثَّانِي، إلَّا أَنْ يُنْقِصَهُ بِرَمْيِهِ شَيْئًا، فَيَضْمَنَ مَا نَقَصَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالرَّمْيَةِ الْأُولَى صَارَ مَذْبُوحًا. وَإِنْ كَانَتْ رَمْيَةُ الثَّانِي مُوحِيَةً، فَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: يَحِلُّ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا، كَقَوْلِهِ فِي مَنْ ذَبَحَ، فَأَتَى عَلَى الْمَقَاتِلِ، فَلَمْ تَخْرُجْ الرُّوحُ حَتَّى وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهَا شَيْءٌ، لَمْ يُؤْكَلْ. الْقِسْمُ الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ جُرْحُ الْأَوَّلِ غَيْرَ مُوحٍ، فَيُنْظَرَ فِي رَمْيَةِ الثَّانِي، فَإِنْ كَانَتْ مُوحِيَةً، فَهُوَ مُحَرَّمٌ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ ذَبَحَتْهُ أَوْ نَحَرَتْهُ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُوحِيَةٍ، فَلَهَا ثَلَاثُ صُوَرٍ؛ إحْدَاهَا، أَنَّهُ ذُكِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَحِلُّ.

وَالثَّانِيَةُ، لَمْ يُذَكَّ حَتَّى مَاتَ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جُرْحَيْنِ؛ مُبِيحٍ وَمُحَرِّمٍ، فَحَرُمَ، كَمَا لَوْ مَاتَ مِنْ جُرْحِ مُسْلِمٍ وَمَجُوسِيٍّ، وَعَلَى الثَّانِي ضَمَانُ جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّ جُرْحَهُ هُوَ الَّذِي حَرَّمَهُ، فَكَانَ جَمِيعُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ. وَالثَّالِثَةُ، قَدَرَ عَلَى ذَكَاتِهِ فَلَمْ يُذَكِّهِ حَتَّى مَاتَ، حَرُمَ لِمَعْنَيَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ تَرَكَ ذَكَاتَهُ مَعَ إمْكَانِهَا. وَالثَّانِي، أَنَّهُ مَاتَ مِنْ جُرْحَيْنِ؛ مُبِيحٍ، وَمُحَرِّمٍ، وَيَلْزَمُ الثَّانِيَ الضَّمَانُ، وَفِي قَدْرِهِ احْتِمَالَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَضْمَنُ جَمِيعَهُ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا.

قَالَ الْقَاضِي: هَذَا قَوْلُ الْخِرَقِيِّ؛ لِإِيجَابِهِ الضَّمَانَ فِي مَسْأَلَتِهِ عَلَى الثَّالِثِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ. وَلَيْسَتْ هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْخِرَقِيِّ لِقَوْلِهِ: ثُمَّ رَمَاهُ الثَّالِثُ فَقَتَلَهُ. فَتَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى أَنَّ جُرْحَ الثَّانِي كَانَ مُوحِيًا لَا غَيْرُ.

الِاحْتِمَالُ الثَّانِي، أَنْ يَضْمَنَ الثَّانِي بِقِسْطِ جُرْحِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إذَا تَرَكَ الذَّبْحَ مَعَ إمْكَانِهِ، صَارَ جُرْحُهُ حَاظِرًا أَيْضًا، بِدَلِيلِ مَا لَوْ انْفَرَدَ وَقَتَلَ الصَّيْدَ، فَيَكُونُ الضَّمَانُ مُنْقَسِمًا عَلَيْهِمَا، وَذَكَرَ الْقَاضِي، فِي قِسْمَتِهِ عَلَيْهِمَا، أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>