[فَصْلٌ عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ]
(٥٣٤١) فَصْلٌ: فَأَمَّا الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلِ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النَّظَرُ مِنْ صَاحِبِهِ إلَى مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَفِي حَدِّهَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا: مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. وَالْأُخْرَى: الْفَرْجَانِ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَدِ وَذِي اللِّحْيَةِ، إلَّا أَنَّ الْأَمْرَدَ إنْ كَانَ جَمِيلًا، يُخَافُ الْفِتْنَةُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ تَعَمُّدُ النَّظَرِ إلَيْهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: «قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِمْ غُلَامٌ أَمْرُدُ، ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ، فَأَجْلَسَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَاءَ ظَهْرِهِ» رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ الْأَعْيَنَ يَقُولُ: قَدِمَ عَلَيْنَا إنْسَانٌ مِنْ خُرَاسَانَ، صَدِيقٌ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَمَعَهُ غُلَامٌ ابْنُ أُخْتٍ لَهُ، وَكَانَ جَمِيلًا، فَمَضَى إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَحَدَّثَهُ، فَلَمَّا قُمْنَا خَلَا بِالرَّجُلِ، وَقَالَ لَهُ: مَنْ هَذَا الْغُلَامُ مِنْك؟ قَالَ: ابْنُ أُخْتِي. قَالَ: إذَا جِئْتنِي لَا يَكُونُ مَعَك، وَاَلَّذِي أَرَى لَك أَنْ لَا يَمْشِيَ مَعَك فِي طَرِيقٍ. فَأَمَّا الْغُلَامُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ سَبْعًا فَلَا عَوْرَةَ لَهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَجَاءَ الْحَسَنُ فَجَعَلَ يَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ فَوَقَعَ مُقَدَّمُ قَمِيصِهِ، أَرَاهُ قَالَ: فَقَبَّلَ زَبِيبَتَهُ.» رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ.
[فَصْلٌ حُكْمُ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ]
(٥٣٤٢) فَصْلٌ: وَحُكْمُ الْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ حُكْمُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ سَوَاءٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمَتَيْنِ، وَبَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ، كَمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، فِي النَّظَرِ. قَالَ أَحْمَدُ: ذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّهَا لَا تَضَعُ خِمَارَهَا عِنْدَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَأَمَّا أَنَا فَأَذْهَبُ إلَى أَنَّهَا لَا تَنْظُرُ إلَى الْفَرْجِ، وَلَا تَقْبَلُهَا حِينَ تَلِدُ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا تَكْشِفُ قِنَاعَهَا عِنْدَ الذِّمِّيَّةِ، وَلَا تَدْخُلُ مَعَهَا الْحَمَّامَ. وَهُوَ قَوْلُ مَكْحُولٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: ٣١] وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ الْكَوَافِرَ مِنْ الْيَهُودِيَّاتِ وَغَيْرِهِنَّ، قَدْ كُنَّ يَدْخُلْنَ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَكُنَّ يَحْتَجِبْنَ، وَلَا أُمِرْنَ بِحِجَابٍ وَقَدْ «قَالَتْ عَائِشَةُ: جَاءَتْ يَهُودِيَّةٌ تَسْأَلُهَا، فَقَالَتْ: أَعَاذَك اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.» وَقَالَتْ أَسْمَاءُ: «قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي، وَهِيَ رَاغِبَةٌ - يَعْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ - فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصِلُهَا؟ قَالَ نَعَمْ» ؛ وَلِأَنَّ الْحَجْبَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِمَعْنًى لَا يُوجَدُ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْحَجْبُ بَيْنَهُمَا، كَالْمُسْلِمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute