للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ الْمُكَاتَبُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ]

(٨٧٣٥) فَصْلٌ: وَالْمُكَاتَبُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، فَلَيْسَ لَهُ اسْتِهْلَاكُهُ، وَلَا هِبَتُهُ. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّ حَقَّ سَيِّدِهِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجِزُ، فَيَعُودُ إلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْكِتَابَةِ تَحْصِيلُ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ، وَهِبَةُ مَالِهِ تُفَوِّتُ ذَلِكَ. وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ سَيِّدُهُ، جَازَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْمَقْصُودَ بِالْكِتَابَةِ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ فِيهِ كَالْمَذْهَبَيْنِ.

وَلَنَا أَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا، فَجَازَ بِاتِّفَاقِهِمَا، كَالرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ. فَأَمَّا الْهِبَةُ بِالثَّوَابِ، فَلَا تَصِحُّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: تَصِحُّ؛ لِأَنَّ فِيهَا مُعَاوَضَةً.

وَلَنَا، أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي تَقْدِيرِ الثَّوَابِ، يُوجِبُ الْغَرَرَ فِيهَا، وَلِأَنَّ عِوَضَهَا يَتَأَخَّرُ، فَتَكُونُ كَالْبَيْعِ نَسِيئَةً. وَإِنْ أَذِنَ فِيهَا السَّيِّدُ، جَازَتْ. وَإِنْ وَهَبَ لِسَيِّدِهِ، جَازَ؛ لِأَنَّ قَبُولَهُ الْهِبَةَ إذْنٌ فِيهَا. وَكَذَلِكَ إنْ وَهَبَ لِابْنِ سَيِّدِهِ الصَّغِيرِ.

[فَصْلٌ إهْدَاءُ الْمُكَاتَبِ هَدِيَّةً]

(٨٧٣٦) فَصْلٌ: وَلَا يُحَابِي فِي الْبَيْعِ، وَلَا يَزِيدُ فِي الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ، وَلَا يُعِيرُ دَابَّةً، وَلَا يُهْدِي هَدِيَّةً. وَأَجَازَ ذَلِكَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَيُحْتَمَلُ جَوَازُ إعَارَةِ دَابَّتِهِ، وَهَدِيَّةِ الْمَأْكُولِ وَدُعَائِهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ لِلْمَأْذُونِ لَهُ، وَلَا يَنْحَطُّ الْمُكَاتَبُ عَنْ دَرَجَتِهِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَالِهِ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْهِبَةِ وَلَا يُوصِي بِمَالِهِ، وَلَا يَحُطُّ عَنْ الْمُشْتَرِي شَيْئًا، وَلَا يُقْرِضُ، وَلَا يَضْمَنُ، وَلَا يَتَكَفَّلُ بِأَحَدٍ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَبَرُّعٌ بِمَالِهِ، فَمُنِعَ مِنْهُ كَالْهِبَةِ.

[فَصْلٌ حَجُّ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي جَمَعَهُ]

(٨٧٣٧) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُجَّ إنْ احْتَاجَ إلَى إنْفَاقِ مَالِهِ فِيهِ. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَحُجَّ مِنْ الْمَالِ الَّذِي جَمَعَهُ، إذَا لَمْ يَأْتِ نَجْمُهُ. وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَحُجُّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، أَمَّا بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَا يُنْفِقُ مَالًا فِيهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَالْعِتْقِ. فَأَمَّا إنْ أَمْكَنَهُ الْحَجُّ مِنْ غَيْرِ إنْفَاقِ مَالِهِ، كَاَلَّذِي تَبَرَّعَ إنْسَانٌ بِإِحْجَاجِهِ، أَوْ يَخْدِمُ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، فَيَجُوزُ إذَا لَمْ يَأْتِ نَجْمُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا يَجْرِي مَجْرَى تَرْكِهِ لِلْكَسْبِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يُمْنَعُ مِنْهُ.

[فَصْلٌ لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُكَاتِبَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ]

(٨٧٣٨) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُكَاتِبَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ نَوْعُ إعْتَاقٍ، فَلَمْ تَجُزْ مِنْ الْمُكَاتَبِ، كَالْمُنَجَّزِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ، فَلَمْ يَمْلِكْ الْكِتَابَةَ، كَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ. وَاخْتَارَ

<<  <  ج: ص:  >  >>