[فَصْل حَلَقَ الرَّأْس]
(١٠٧) فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ. فَعَنْهُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ فِي الْخَوَارِجِ: سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ» . فَجَعَلَهُ عَلَامَةً لَهُمْ. وَقَالَ عُمَرُ لِصَبِيغٍ: لَوْ وَجَدْتُك مَحْلُوقًا لَضَرَبْت الَّذِي فِيهِ عَيْنَاك بِالسَّيْفِ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُوضَعُ النَّوَاصِي إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، فِي الْأَفْرَادِ، وَرَوَى أَبُو مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيس مِنَّا مَنْ حَلَقَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الَّذِي يَحْلِقُ رَأْسَهُ فِي الْمِصْرِ شَيْطَانٌ. قَالَ أَحْمَدُ كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْهُ: لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لَكِنْ تَرْكُهُ أَفْضَلُ. قَالَ حَنْبَلُ: كُنْت أَنَا وَأَبِي نَحْلِقُ رُءُوسَنَا فِي حَيَاةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَيَرَانَا وَنَحْنُ نَحْلِقُ فَلَا يَنْهَانَا، وَكَانَ هُوَ يَأْخُذُ رَأْسَهُ بِالْجَلَمَيْنِ وَلَا يُحْفِيهِ وَيَأْخُذُهُ وَسَطًا.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى غُلَامًا قَدْ حَلَقَ بَعْضَ رَأْسِهِ وَتَرَكَ بَعْضَهُ، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «احْلِقْهُ كُلَّهُ أَوْ دَعْهُ كُلَّهُ» .
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جَاءَ نَعِيُّ جَعْفَرٍ أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ ثَلَاثًا أَنْ يَأْتِيَهُمْ، ثُمَّ أَتَاهُمْ، فَقَالَ: لَا تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ، ثُمَّ قَالَ: اُدْعُوا بَنِي أَخِي، فَجِيءَ بِنَا، قَالَ: اُدْعُوا لِي الْحَالِقَ فَأَمَرَ بِنَا فَحَلَقَ رُءُوسَنَا.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالطَّيَالِسِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ اسْتِئْصَالُ الشَّعْرِ بِالْمِقْرَاضِ. وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ» يَعْنِي فِي الْمُصِيبَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ " أَوْ صَلَقَ " أَوْ خَرَقَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى إبَاحَةِ الْحَلْقِ، وَكَفَى بِهَذَا حُجَّةٌ.
وَأَمَّا اسْتِئْصَالُ الشَّعْرِ بِالْمِقْرَاضِ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا كَرِهُوا الْحَلْقَ بِالْمُوسَى وَأَمَّا بِالْمِقْرَاضِ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ؛ لِأَنَّ أَدِلَّةَ الْكَرَاهَةِ تَخْتَصُّ بِالْحَلْقِ.
[فَصْل حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ]
فَصْلٌ: فَأَمَّا حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ فَمَكْرُوهٌ. وَيُسَمَّى الْقَزَعَ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْقَزَعِ وَقَالَ: احْلِقْهُ كُلَّهُ أَوْ دَعْهُ كُلَّهُ» . وَفِي شُرُوطِ عُمَرَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ: أَنْ يَحْلِقُوا مَقَادِمَ رُءُوسِهِمْ لِيَتَمَيَّزُوا بِذَلِكَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ. فَمَنْ فَعَلَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانَ مُتَشَبِّهًا بِهِمْ.
[فَصْل حَلْقِ الْمَرْأَةِ رَأْسَهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ]
(١٠٩) فَصْلٌ: وَلَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِي كَرَاهَةِ حَلْقِ الْمَرْأَةِ رَأْسَهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. قَالَ أَبُو مُوسَى: «بَرِئَ رَسُولُ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute