وَلَنَا، أَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ عَلَى شَرْطٍ، وَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّعْلِيقِ، فَيَقَعُ بِوُجُودِ شَرْطِهِ، كَالطَّلَاقِ، وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالطَّلَاقِ، وَالْعِتْقُ فِي مَعْنَاهُ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ بِيَمِينٍ فِي الْحَقِيقَةِ، إنَّمَا هُوَ تَعْلِيقٌ عَلَى شَرْطٍ، فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ. فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ فِيهِ: كَفِّرِي يَمِينَك، وَأَعْتِقِي جَارِيَتَك. وَهَذِهِ زِيَادَةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَمْلُوكٌ سِوَاهَا.
[فَصْلٌ قَالَ إنْ فَعَلْت فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ عَبْدِي أَوْ أُحَرِّرَهُ]
(٧٩٨٦) فَصْلٌ: فَأَمَّا إنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ عَبْدِي أَوْ أُحَرِّرَهُ. أَوْ نَحْوَ هَذَا، لَمْ يُعْتَقْ بِحِنْثِهِ، وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يُعَلِّقْ عِتْقَ الْعَبْدِ، إنَّمَا حَلَفَ عَلَى تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِشَرْطٍ، بِخِلَافِ الَّذِي قَبْلَهُ.
(٧٩٨٧) فَصْلٌ: وَإِذَا حَنِثَ، عَتَقَ عَلَيْهِ عَبِيدُهُ، وَإِمَاؤُهُ، وَمُدَبَّرُوهُ، وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ، وَمُكَاتَبُوهُ، وَالْأَشْقَاصُ الَّتِي يَمْلِكُهَا مِنْ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَالْمُزَنِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى؛ لَا يَعْتِقُ الشِّقْصُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ. وَلَعَلَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الشِّقْصَ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْعَبْدِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَصَاحِبَاهُ، وَإِسْحَاقُ: لَا يَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ مِلْكِ سَيِّدِهِ وَتَصَرُّفِهِ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي اسْمِ مَمَالِيكِهِ، كَالْحُرِّ. وَقَالَ الرَّبِيعُ: سَمَاعِي مِنْ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ يَعْتِقُ.
وَلَنَا، أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ، فَيَعْتِقُ، كَالْمُدَبَّرِ؛ وَدَلِيلُ كَوْنِهِ مَمْلُوكَهُ، قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» . وَقَوْلُهُ لِعَائِشَةَ: «اشْتَرِي بَرِيرَةَ، وَأَعْتِقِيهَا» وَكَانَتْ مُكَاتَبَةً، وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ غَيْرِ الْمَمْلُوكِ وَلَا عِتْقُهُ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ إعْتَاقُهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَحْكَامُهُ أَحْكَامُ الْعَبِيدِ، وَلِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَالِكٍ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ إعْتَاقُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ، فَدَخَلَ فِي الْعِتْقِ بِالتَّعْلِيقِ، كَسَائِرِ عَبِيدِهِ. وَأَمَّا الشِّقْصُ، فَإِنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ، قَابِلٌ لِلتَّحْرِيرِ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ لَفْظِهِ.
[فَصْل قَالَ عَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ثُمَّ دَخَلَهَا]
(٧٩٨٨) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: عَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ، إنْ دَخَلْت الدَّارَ. ثُمَّ دَخَلَهَا، لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِإِعْتَاقِهِ نَاجِزًا، فَلَا يَعْتِقُ بِالتَّعْلِيقِ أَوْلَى. وَهَلْ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؟ فِيهِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ، ذَكَرَهُمَا ابْنُ أَبِي مُوسَى؛ إحْدَاهُمَا؛ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ بِالْعِتْقِ فِيمَا لَا يَقَعُ بِالْحِنْثِ، فَلَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ، كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ فُلَانًا. وَالثَّانِيَةُ، لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ بِإِخْرَاجِ مَالِ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ قَالَ: مَالُ فُلَانٍ صَدَقَةٌ، إنْ دَخَلْت الدَّارَ. وَلِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ عَلَى صِفَةٍ، فَلَمْ تَجِبْ بِهِ كَفَّارَةٌ، كَسَائِرِ التَّعْلِيقِ.
وَأَمَّا إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute