وَمِنْ شُرُوطِ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهَا، أَنْ تَكُونَ عَلَى صِفَةِ عَمَائِمِ الْمُسْلِمِينَ، بِأَنْ يَكُونَ تَحْتَ الْحَنَكِ مِنْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ عَمَائِمُ الْعَرَبِ، وَهِيَ أَكْثَرُ سَتْرًا مِنْ غَيْرِهَا، وَيَشُقُّ نَزْعُهَا، فَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ لَهَا ذُؤَابَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. قَالَهُ الْقَاضِي.
وَسَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَ الْحَنَكِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَلَا لَهَا ذُؤَابَةٌ، لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا عَلَى صِفَةِ عَمَائِمِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا يَشُقُّ نَزْعُهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّلَحِّي، وَنَهَى عَنْ الِاقْتِعَاطِ» . رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: وَالِاقْتِعَاطُ أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَ الْحَنَكِ مِنْهَا شَيْءٌ. وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى رَجُلًا لَيْسَ تَحْتَ حَنَكِهِ مِنْ عِمَامَتِهِ شَيْءٌ، فَحَنَّكَهُ بِكَوْرٍ مِنْهَا، وَقَالَ: مَا هَذِهِ الْفَاسِقِيَّةُ؟ فَامْتَنَعَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا لِلنَّهْيِ عَنْهَا، وَسُهُولَةِ نَزْعِهَا.
وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ ذُؤَابَةٍ، وَلَمْ تَكُنْ مُحَنَّكَةً، فَفِي الْمَسْحِ عَلَيْهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، جَوَازُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تُشْبِهُ عَمَائِمَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، إذْ لَيْسَ مِنْ عَادَتِهِمْ الذُّؤَابَةُ. وَالثَّانِي، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ النَّهْيِ، وَلَا يَشُقُّ نَزْعُهَا.
(٤٤٠) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الرَّأْسِ مَكْشُوفًا، مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ، اُسْتُحِبَّ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ مَعَ الْعِمَامَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ وَنَاصِيَتِهِ، فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَهَلْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَاجِبٌ؟ وَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنْهُ، فَيُخَرَّجُ فِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، وُجُوبُهُ؛ لِلْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّ الْعِمَامَةَ نَابَتْ عَمَّا اسْتَتَرَ، فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ، كَالْجَبِيرَةِ.
وَالثَّانِي، لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْعِمَامَةَ نَابَتْ عَنْ الرَّأْسِ، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهَا، وَانْتَقَلَ الْفَرْضُ إلَيْهَا، فَلَمْ يَبْقَ لِمَا ظَهَرَ حُكْمٌ؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَهُمَا مَعًا يُفْضِي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ بَدَلٍ وَمُبْدَلٍ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ يَجُزْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كَالْخُفِّ. وَعَلَى هَذَا تُخَرَّجُ الْجَبِيرَةُ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْأُذُنَيْنِ لَا يَجِبُ مَسْحُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ، وَلَيْسَا مِنْ الرَّأْسِ، إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ.
[فَصْل نَزَعَ الْعِمَامَةَ بَعْدَ الْمَسْحِ عَلَيْهَا]
(٤٤١) فَصْلٌ: وَإِنْ نَزَعَ الْعِمَامَةَ بَعْدَ الْمَسْحِ عَلَيْهَا، بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَكَذَلِكَ إنْ انْكَشَفَ رَأْسُهُ، إلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute