للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا، فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِيَوْمٍ آخَرَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي فِطْرِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

[فَصْلٌ وَمَنْ نَذَرَ صِيَامَ شَهْرٍ]

(٨٢٠٥) فَصْلٌ: وَمَنْ نَذَرَ صِيَامَ شَهْرٍ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا بِالْهِلَالِ، وَهُوَ أَنْ يَبْتَدِئَهُ مِنْ أَوَّلِهِ، فَيُجْزِئَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَصُومَهُ بِالْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. وَهَلْ يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَلْزَمُهُ.

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الشَّهْرِ يَقْتَضِي التَّتَابُعَ. وَالثَّانِي، لَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ يَقَعُ عَلَى مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ، وَعَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، فَلَمْ يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ، كَمَا لَوْ نَذَرَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا.

فَأَمَّا إنْ نَذَرَ صِيَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، لَمْ يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ فِيهَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، فِيمَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ: يَصُومُهَا مُتَتَابِعَةً. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي الْأَيَّامِ الْمَنْذُورَةِ. وَحَمَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَلَامَ أَحْمَدَ عَلَى مَنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ أَوْ نَوَاهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْعَشَرَةِ لَا يَقْتَضِي تَتَابُعًا، وَالنَّذْرُ لَا يَقْتَضِيهِ، مَا لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِهِ أَوْ نِيَّتِهِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَلَامُ أَحْمَدَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَيَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ فِي نَذْرِ الْعَشَرَةِ، دُونَ الثَّلَاثِينَ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثِينَ شَهْرٌ، فَلَوْ أَرَادَ التَّتَابُعَ لَقَالَ: شَهْرًا. فَعُدُولُهُ إلَى الْعَدَدِ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ التَّفْرِيقِ، بِخِلَافِ الْعَشَرَةِ.

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ، فَإِنَّ عَدَمَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّفْرِيقِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى إرَادَةِ التَّتَابُعِ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] . وَلَمْ يَذْكُرْ تَفْرِيقَهَا وَلَا تَتَابُعَهَا، وَلَمْ يَجِبْ التَّتَابُعُ فِيهَا بِالِاتِّفَاقِ.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ، لَزِمَهُ التَّتَابُعُ، وَلَا يَلْزَمُهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الصِّيَامِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ يَتَّصِلُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَالصَّوْمُ يَتَخَلَّلُهُ اللَّيْلُ، فَيَفْصِلُ بَعْضَهُ مِنْ بَعْضٍ، وَلِذَلِكَ لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، لَدَخَلَ فِيهِ اللَّيْلُ.

وَالصَّحِيحُ التَّسْوِيَةُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مَا اقْتَضَاهُ لَفْظُهُ، وَلَفْظُهُ لَا يَقْتَضِي التَّتَابُعَ، بِدَلِيلِ نَذْرِ الصَّوْمِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْعُرْفِ لَا أَثَرَ لَهُ. وَمَنْ قَالَ: يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ، لَزِمَتْهُ اللَّيَالِي الَّتِي بَيْنَ أَيَّامِ الِاعْتِكَافِ، كَمَا لَوْ قَالَ: مُتَتَابِعَةً.

[فَصْلٌ نَذَرَ صِيَامَ أَشْهُرٍ مُتَتَابِعَةٍ]

(٨٢٠٦) فَصْلٌ: إذَا نَذَرَ صِيَامَ أَشْهُرٍ مُتَتَابِعَةٍ، فَابْتَدَأَهَا مِنْ أَوَّلِ شَهْرٍ، أَجْزَأَهُ صَوْمُهَا بِالْأَهِلَّةِ، بِلَا خِلَافٍ. وَإِنْ ابْتَدَأَهَا مِنْ أَثْنَاءِ شَهْرٍ، كَمَّلَهُ بِالْعَدَدِ، وَبَاقِي الْأَشْهُرِ بِالْأَهِلَّةِ.

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: يُكَمِّلُ الْجَمِيعَ بِالْعَدَدِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ الرِّوَايَتَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>