[فَصْل يَعْقِل الْمَرِيض إذَا لَمْ يَبْلُغ حَدّ الزَّمَانَةِ]
(٦٨٢٧) فَصْلٌ: وَيَعْقِلُ الْمَرِيضُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الزَّمَانَةِ، وَالشَّيْخُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْهَرَمِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْمُوَاسَاةِ، وَفِي الزَّمِنِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: لَا يَعْقِلَانِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْجِهَادُ، وَلَا يُقْتَلَانِ إذَا كَانَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِي الْأَعْمَى؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى. وَالثَّانِي، يَعْقِلُونَ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمُوَاسَاةِ؛ وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ. وَهَذَا يُنْتَقَضُ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْفَصْلِ كُلِّهِ كَمَذْهَبِنَا.
[مَسْأَلَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَة الْقَاتِل]
(٦٨٢٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ، أَخَذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ، فَلَيْسَ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي فَصْلَيْنِ: (٦٨٢٩) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ مَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ، هَلْ يُؤَدِّي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا، يُؤَدَّى عَنْهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَى الْأَنْصَارِيَّ الَّذِي قُتِلَ بِخَيْبَرَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فِي زِحَامٍ فِي زَمَنِ عُمَرَ، فَلَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ لَعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُطَلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ. فَأَدَّى دِيَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، فَيَعْقِلُونَ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمِ عَاقِلَتِهِ، كَعَصَبَاتِهِ وَمَوَالِيهِ. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَجِبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ فِيهِ حَقٌّ لِلنِّسَاءِ وَالصَّبِيَّانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْفُقَرَاءِ وَلَا عَقْلَ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ فِيمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَلِأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى الْعَصَبَاتِ، وَلَيْسَ بَيْتُ الْمَالِ عَصَبَةً، وَلَا هُوَ كَعَصَبَةِ هَذَا، فَأَمَّا قَتِيلُ الْأَنْصَارِ، فَغَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَتِيلُ الْيَهُودِ، وَبَيْتُ الْمَالِ لَا يَعْقِلُ عَنْ الْكُفَّارِ بِحَالٍ، وَإِنَّمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُمْ يَرِثُونَهُ. قُلْنَا: لَيْسَ صَرْفُهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ مِيرَاثًا، بَلْ هُوَ فَيْءٌ، وَلِهَذَا يُؤْخَذُ مَالُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يَرِثُهُ الْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ لَا يَجِبُ الْعَقْلُ عَلَى الْوَارِثِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةً، وَيَجِبُ عَلَى الْعَصَبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ، أُدِّيَتْ الدِّيَةُ عَنْهُ كُلُّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَاقِلَةٌ لَا تَحْمِلُ الْجَمِيعَ، أُخِذَ الْبَاقِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute