للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْسَمُ الرَّقِيقُ قِسْمَةَ إجْبَارٍ؛ لِأَنَّهُ تَخْتَلِفُ مَنَافِعُهُ، وَيُقْصَدُ مِنْهُ الْعَقْلُ وَالدِّينُ وَالْفِطْنَةُ، وَذَلِكَ لَا يَقَعُ فِيهِ التَّعْدِيلُ.

وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَزَّأَ الْعَبِيدَ الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ الْأَنْصَارِيُّ فِي مَرَضِهِ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ. وَلِأَنَّهُ نَوْعُ حَيَوَانٍ يَدْخُلُهُ التَّقْوِيمُ، فَجَازَتْ قِسْمَتُهُ، كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ، وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَجْمَعُ ذَلِكَ، وَتُعَدُّ لَهُ كَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ.

[فَصْلٌ وَالْقِسْمَةُ إفْرَازُ حَقٍّ وَتَمْيِيزُ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ مِنْ الْآخَرِ]

(٨٣٠٧) فَصْلٌ: وَالْقِسْمَةُ إفْرَازُ حَقٍّ، وَتَمْيِيزُ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ مِنْ الْآخَرِ، وَلَيْسَتْ بَيْعًا.

وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ فِي الْآخَرِ: هِيَ بَيْعٌ.

وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ؛ لِأَنَّهُ يُبْدِلُ نَصِيبَهُ مِنْ أَحَدِ السَّهْمَيْنِ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ السَّهْمِ الْآخَرِ، وَهَذَا حَقِيقَةُ الْبَيْعِ.

وَلَنَا، أَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى لَفْظِ التَّمْلِيكِ، وَلَا تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ، وَيَدْخُلُهَا الْإِجْبَارُ، وَتَلْزَمُ بِإِخْرَاجِ الْقُرْعَةِ، وَيَتَقَدَّرُ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ بِقَدْرِ الْآخَرِ، وَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهَا تَنْفَرِدُ عَنْ الْبَيْعِ بِاسْمِهَا وَأَحْكَامِهَا، فَلَمْ تَكُنْ بَيْعًا، كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ، أَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ بَيْعًا، جَازَتْ قِسْمَةُ الثِّمَارِ خَرْصًا، وَالْمَكِيلِ وَزْنًا، وَالْمَوْزُونِ كَيْلًا، وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يَحْنَثُ إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ بِهَا، وَإِذَا كَانَ الْعَقَارُ أَوْ نِصْفُهُ وَقْفًا، جَازَتْ الْقِسْمَةُ، وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ.

انْعَكَسَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ، هَذَا إذَا خَلَتْ مِنْ الرَّدِّ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا رَدُّ عِوَضٍ، فَهِيَ بَيْعٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الرَّدِّ يَبْذُلُ الْمَالَ عِوَضًا عَمَّا حَصَلَ لَهُ مِنْ مَالِ شَرِيكِهِ، وَهَذَا هُوَ الْبَيْعُ. فَإِنْ فَعَلَا ذَلِكَ فِي وَقْفٍ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ وَقْفًا، وَبَعْضُهُ طَلْقَا، وَالرَّدُّ مِنْ صَاحِبِ الطَّلْقِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِي بَعْضَ الْوَقْفِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، جَازَ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْتَرُونَ بَعْضَ الطَّلْقِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ.

[فَصْلٌ شَهَادَةُ الْقَاسِمِ بِالْقِسْمَةِ]

(٨٣٠٨) فَصْلٌ: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاسِمِ بِالْقِسْمَةِ إذَا كَانَ مُتَبَرِّعًا، وَلَا تُقْبَلُ إذَا كَانَ بِأُجْرَةٍ.

وَبِهَذَا قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ بِأُجْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ تُهْمَةٌ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ، كَالْمُرْضِعَةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ شَهِدَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ الَّذِي يُوجِبُ تَعْدِيلَهُ، فَلَمْ تُقْبَلْ، كَشَهَادَةِ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ عَلَى حُكْمِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>