أَخَّرَ الصَّلَاةَ نِسْيَانًا، فَإِنَّهُ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُمْ عَنْ صَلَاتِهَا، فَقَالُوا: مَا صَلَّيْنَا» . وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ «قَالَ: مَا صَلَّيْت الْعَصْرَ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا» . أَوْ كَمَا جَاءَ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ قِتَالٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ، فَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
[مَسْأَلَةٌ صَلَاة الْخَوْف إذَا كَانَ بِإِزَاءِ الْعَدُوّ وَهُوَ فِي سَفَر]
(١٤٤٢) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَصَلَاةُ الْخَوْفِ إذَا كَانَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، صَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً، وَأَتَمَّتْ لِأَنْفُسِهَا أُخْرَى بِالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُورَةٍ، ثُمَّ ذَهَبَتْ تَحْرُسُ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى الَّتِي بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّتْ مَعَهُ رَكْعَةً وَأَتَمَّتْ لِأَنْفُسِهَا أُخْرَى بِالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُورَةٍ، وَيُطِيلُ التَّشَهُّدَ حَتَّى يُتِمُّوا التَّشَهُّدَ، وَيُسَلِّمُ بِهِمْ) .
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَوْفَ لَا يُؤَثِّرُ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ جَمِيعًا، فَإِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ يُبِيحُ الْقَصْرَ، صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً، وَتُتِمُّ لِأَنْفُسِهَا أُخْرَى عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِشَرَائِطَ: مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ مُبَاحَ الْقِتَالِ، وَأَنْ لَا يُؤْمَنَ هُجُومُهُ.
قَالَ الْقَاضِي: وَمِنْ شَرْطِهَا كَوْنُ الْعَدُوِّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ. وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، فَإِنَّهُ قَالَ: قُلْت لَهُ، حَدِيثُ سَهْلٍ، نَسْتَعْمِلُهُ مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ كَانُوا أَوْ مُسْتَدْبِرِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ، هُوَ أَنْكَى. وَلِأَنَّ الْعَدُوَّ قَدْ يَكُونُ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ صَلَاةَ عُسْفَانَ لِانْتِشَارِهِمْ، أَوْ اسْتِتَارِهِمْ، أَوْ الْخَوْفِ مِنْ كَمِينٍ، فَالْمَنْعُ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ يُفْضِي إلَى تَفْوِيتهَا.
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ فِي الْمُصَلِّينَ كَثْرَةٌ يُمْكِنْ تَفْرِيقُهُمْ طَائِفَتَيْنِ، كُلُّ طَائِفَةٍ ثَلَاثَةٌ فَأَكْثَرُ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَتْ كُلُّ فِرْقَةٍ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ كَرِهْنَاهُ، لِأَنَّ أَحْمَدْ ذَهَبَ إلَى ظَاهِرِ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَوَجْهُ. قَوْلِهِمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الطَّائِفَةَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} [النساء: ١٠٢] .
وَأَقَلُّ لَفْظِ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُشْتَرَطَ هَذَا؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثَةِ عَدَدٌ تَصِحُّ بِهِ الْجَمَاعَةُ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ طَائِفَةً كَالثَّلَاثَةِ، وَأَمَّا فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلُّونَ مِثْلَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَدَدِ وَجْهًا وَاحِدًا؛ وَلِذَلِكَ اكْتَفَيْنَا بِثَلَاثَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَفِّفَ بِهِمْ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ صَلَاةِ الْخَوْفِ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَكَذَلِكَ الطَّائِفَةُ الَّتِي تُفَارِقُهُ تُصَلِّي لِنَفْسِهَا، تَقْرَأُ بِسُورَةٍ خَفِيفَةٍ، وَلَا تُفَارِقُهُ حَتَّى يَسْتَقِلَّ قَائِمًا؛ لِأَنَّ النُّهُوضَ يَشْتَرِكُونَ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute