كَفَّارَتُهُ وَاحِدَةً، كَالْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ عَلَى أَفْعَالٍ، وَلِهَذَا لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فِي تَرْكِ الْتَّحَفِّي وَالِاخْتِمَارِ، بِأَكْثَرَ مِنْ كَفَّارَةٍ.
[مَسْأَلَةٌ: نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ]
(٨١٧٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ، أَجْزَأَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي لُبَابَةَ، حِينَ قَالَ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يُجْزِئُكَ الثُّلُثُ» ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ، أَجْزَأَهُ ثُلُثُهُ. وَبِهَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ. وَرَوَى الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ الْخِرَقِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ. قَالَ: كَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ. قَالَ وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ مَا يَرِثُ عَنْ فُلَانٍ، فَهُوَ لِلْمَسَاكِينِ. فَذَكَرُوا أَنَّهُ قَالَ: يُطْعِمُ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ.
وَقَالَ رَبِيعَةُ: يَتَصَدَّقُ مِنْهُ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْهُودِ الشَّرْعِ، وَلَا يَجِبُ فِي الشَّرْعِ إلَّا قَدْرُ الزَّكَاةِ. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: قَالَ: إنْ كَانَ كَثِيرًا، وَهُوَ أَلْفَانِ، تَصَدَّقَ بِعَشَرَةٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَسِّطًا وَهُوَ أَلْفٌ، تَصَدَّقَ بِسَبْعَةٍ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ، تَصَدَّقَ بِخَمْسَةٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَتَصَدَّقُ بِالْمَالِ الزَّكَوِيِّ كُلِّهِ. وَعَنْهُ فِي غَيْرِهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَتَصَدَّقُ بِهِ. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَالْبَتِّيُّ، وَالشَّافِعِيُّ: يَتَصَدَّقُ بِمَالِهِ كُلِّهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» . وَلِأَنَّهُ نَذْرُ طَاعَةٍ، فَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، كَنَذْرِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ.
وَلَنَا، «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي لُبَابَةَ، حِينَ قَالَ: إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ. فَقَالَ: يُجْزِئُكَ الثُّلُثُ» . وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمْسِكْ عَلَيْك بَعْضَ مَالِكَ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَبِي دَاوُد: «يُجْزِئُ عَنْك الثُّلُثُ» .
فَإِنْ قَالُوا: هَذَا لَيْسَ بِنَذْرٍ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِهِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاقْتِصَارِ عَلَى ثُلُثِهِ، كَمَا أَمَرَ سَعْدًا حِينَ أَرَادَ الْوَصِيَّةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ، بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِهِ، وَلَيْسَ هَذَا مَحَلَّ النِّزَاعِ، إنَّمَا النِّزَاعُ فِيمَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِهِ. قُلْنَا: عَنْهُ جَوَابَانِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute