للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ اسْتَوْفَاهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ سَلَّطَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَمَكَّنَهُ مِنْهُ، وَالْوَلِيَّ يَدَّعِي أَنَّهُ حَقُّهُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ الْوَلِيُّ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ حَكَمَ لَهُ بِمَالٍ فَقَبَضَهُ، ثُمَّ بَانَ فِسْقُ شُهُودِهِ، كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْفِي دُونَ الْحَاكِمِ، كَذَا هَاهُنَا. قُلْنَا: ثَمَّ حَصَلَ فِي يَدِ الْمُسْتَوْفِي مَالُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ أَوْ ضَمَانُهُ إنَّ أَتْلَفَ، وَهَا هُنَا لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا أَتْلَفَ شَيْئًا بِخَطَإِ الْإِمَامِ وَتَسْلِيطِهِ عَلَيْهِ، فَافْتَرَقَا.

[فَصْل شَهِدَ بِالزِّنَى أَرْبَعَةٌ فَزَكَّاهُمْ اثْنَانِ فَرَجْم الشُّهُودُ عَلَيْهِ ثُمَّ بَانَ أَنَّ الشُّهُودَ فَسَقَةٌ]

(٨٤٧١) فَصْلٌ: وَإِنْ شَهِدَ بِالزِّنَى أَرْبَعَةٌ، فَزَكَّاهُمْ اثْنَانِ، فَرُجِمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، ثُمَّ بَانَ أَنَّ الشُّهُودَ فَسَقَةٌ، أَوْ عَبِيدٌ أَوْ بَعْضُهُمْ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُحِقُّونَ، وَلَمْ يُعْلَمْ كَذِبُهُمْ يَقِينًا، وَالضَّمَانُ عَلَى الْمُزَكِّيَيْنِ.

وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي: الضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِقَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ شَرْطِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُزَكَّيَيْنِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا شَرْطٌ، وَلَيْسَتْ الْمُوجِبَةَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، فِي " رُءُوسِ الْمَسَائِلِ ": الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالزِّنَى. وَلَنَا، أَنَّ الْمُزَكَّيَيْنِ شَهِدُوا بِالزُّورِ شَهَادَةً أَفْضَتْ إلَى قَتْلِهِ، فَلَزِمَهُمَا الضَّمَانُ، كَشُهُودِ الزِّنَى إذَا رَجَعُوا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إحَالَةُ الضَّمَانِ عَلَى الشُّهُودِ، فَأَشْبَهَ مَا إذَا رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ. وَقَوْلُهُ: إنَّ شَهَادَتَهُمْ شَرْطٌ.

لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ شُهُودَ الْإِحْصَانِ يَلْزَمُهُمْ الضَّمَانُ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِالسَّبَبِ. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَقَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ شُهُودَ الزِّنَى لَمْ يَرْجِعُوا، وَلَا عُلِمَ كَذِبُهُمْ، بِخِلَافِ الْمُزَكَّيَيْنِ؛ فَإِنَّهُ تَبَيَّنَ كَذِبُهُمْ، وَأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزُّورِ. وَأَمَّا إنْ تَبَيَّنَ فِسْقُ الْمُزَكِّيَيْنِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْهُ، حَيْثُ قَبِلَ شَهَادَةَ فَاسِقٍ مِنْ غَيْرِ تَزْكِيَةٍ وَلَا بَحْثٍ، فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ قَبِلَ شَهَادَةَ شُهُودِ الزِّنَى مِنْ غَيْرِ تَزْكِيَةٍ، ثُمَّ تَبَيَّنَ فِسْقُهُمْ.

[فَصْل جَلَدَ الْإِمَامُ إنْسَانًا بِشَهَادَةِ شُهُودٍ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُمْ فَسَقَةٌ]

(٨٤٧٢) فَصْلٌ: وَلَوْ جَلَدَ الْإِمَامُ إنْسَانًا بِشَهَادَةِ شُهُودٍ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُمْ فَسَقَةٌ، أَوْ كَفَرَةٌ، أَوْ عَبِيدٌ، فَعَلَى الْإِمَامِ ضَمَانُ مَا حَصَلَ مِنْ أَثَرِ الضَّرْبِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَلَنَا، أَنَّهَا جِنَايَةٌ صَدَرَتْ عَنْ خَطَأِ الْإِمَامِ، فَكَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَطَعَهُ أَوْ قَتَلَهُ.

[فَصْل حُكْمَ الْحَاكِمُ بِمَالٍ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُمَا فَاسِقَانِ]

(٨٤٧٣) فَصْلٌ: وَلَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِمَالٍ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُمَا فَاسِقَانِ، أَوْ كَافِرَانِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَنْقُضُ حُكْمَهُ، وَيَرُدُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>