ذَلِكَ الْعَمَلِ
فَأَشْبَهَ الْأَرْضَ إذَا جَاءَهَا بِمَاءٍ أَوْ حَاطَهَا. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّ الْإِحْيَاءَ الَّذِي يُمْلَكُ بِهِ هُوَ الْعِمَارَةُ الَّتِي تَهَيَّأَ بِهَا الْمُحْيِي لِلِانْتِفَاعِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارِ عَمَلٍ، وَهَذَا حَفْرٌ وَتَخْرِيبٌ، يَحْتَاجُ إلَى تَكْرَارٍ عِنْدَ كُلّ انْتِفَاعٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ احْتَفَرَ بِئْرًا مَلَكَهَا، وَمَلَكَ حَرِيمَهَا. قُلْنَا: الْبِئْرُ تَهَيَّأَتْ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ حَفْرٍ وَلَا عِمَارَةٍ، وَهَذِهِ الْمَعَادِنُ تَحْتَاجُ عِنْدَ كُلِّ انْتِفَاعٍ إلَى عَمَلٍ وَعِمَارَةٍ، فَافْتَرَقَا. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. وَالصَّحِيحُ جَوَازُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقْطَعَ لِبَلَالِ بْنِ الْحَارِثِ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ، جَلْسِيَّهَا وَغَوْرِيَّهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ.
[فَصْلٌ أَحْيَا أَرْضًا فَمَلَكَهَا بِذَلِكَ فَظَهَرَ فِيهَا مَعْدِنٌ]
(٤٣٤٠) فَصْلٌ: وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا، فَمَلَكَهَا بِذَلِكَ، فَظَهَرَ فِيهَا مَعْدِنٌ، مَلَكَهُ ظَاهِرًا كَانَ أَوْ بَاطِنًا، إذَا كَانَ مِنْ الْمَعَادِنِ الْجَامِدَةِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْأَرْضَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَطَبَقَاتِهَا، وَهَذَا مِنْهَا. وَيُفَارِقُ الْكَنْزَ؛ فَإِنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا، وَلَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهَا. وَيُفَارِقُ مَا إذَا كَانَ ظَاهِرًا قَبْلَ إحْيَائِهَا؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ نَفْعًا كَانَ وَاصِلًا إلَيْهِمْ، وَمَنَعَهُمْ انْتِفَاعًا كَانَ لَهُمْ، وَهَاهُنَا لَمْ يَقْطَعْ عَنْهُمْ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ظَهَرَ بِإِظْهَارِهِ لَهُ.
وَلَوْ تَحَجَّرَ الْأَرْضَ، أَوْ أَقْطَعَهَا، فَظَهَرَ فِيهَا الْمَعْدِنُ قَبْلَ إحْيَائِهَا، لَكَانَ لَهُ إحْيَاؤُهَا، وَيَمْلِكُهَا بِمَا فِيهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِهِ بِتَحَجُّرِهِ وَإِقْطَاعِهِ، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ إتْمَامِ حَقِّهِ.
وَأَمَّا الْمَعَادِنُ الْجَارِيَةُ، كَالْقَارِ، وَالنِّفْطِ، وَالْمَاءِ، فَهَلْ يَمْلِكُهَا مَنْ ظَهَرَتْ فِي مِلْكِهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا، لَا يَمْلِكُهَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ، وَالْكَلَأِ، وَالنَّارِ» رَوَاهُ الْخَلَّالُ.
وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، فَلَمْ يَمْلِكْهَا بِمِلْكِ الْأَرْضِ، كَالْكَنْزِ. وَالثَّانِيَةُ يَمْلِكُهَا؛ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ مِنْ أَرْضِهِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ، فَأَشْبَهَتْ الزَّرْعَ وَالْمَعَادِنَ الْجَامِدَةَ.
[فَصْلٌ شَرَعَ إنْسَانٌ فِي حَفْرِ مَعْدِنٍ وَلَمْ يَصِلْ إلَى النِّيلِ]
(٤٣٤١) فَصْلٌ: وَلَوْ شَرَعَ إنْسَانٌ فِي حَفْرِ مَعْدِنٍ، وَلَمْ يَصِلْ إلَى النِّيلِ، صَارَ أَحَقَّ بِهِ، كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ، فَإِذَا وَصَلَ إلَى النَّيْلِ صَارَ أَحَقَّ بِالْأَخْذِ مِنْهُ، مَا دَامَ مُقِيمًا عَلَى الْأَخْذِ مِنْهُ، وَهَلْ يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ؟ فِيهِ مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ. وَإِنْ حَفَرَ آخَرُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ. وَإِذَا وَصَلَ إلَى ذَلِكَ الْعِرْقِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute