بُسْتَانٍ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ وَلَا صِفَةٍ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَجْهُولٍ
فَلَمْ يَصِحَّ، كَالْبَيْعِ. وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْحَائِطَيْنِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ فِيهَا بِاخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ، فَلَمْ يَجُزْ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، كَالْبَيْعِ.
[فَصْلٌ الْمُسَاقَاةُ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ وَمَا يُؤَدِّي مَعْنَاهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ]
(٤١١٩) فَصْلٌ: وَتَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ، وَمَا يُؤَدِّي مَعْنَاهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ، نَحْوِ: عَامَلْتُك، وَفَالَحْتك، وَاعْمَلْ فِي بُسْتَانِي هَذَا حَتَّى تَكْمُلَ ثَمَرَتُهُ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْمَعْنَى، فَإِذَا أَتَى بِهِ بِأَيِّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَيْهِ صَحَّ، كَالْبَيْعِ
وَإِنْ قَالَ: اسْتَأْجَرْتُك لِتَعْمَلَ لِي فِي هَذَا الْحَائِطِ، حَتَّى تَكْمُلَ ثَمَرَتُهُ، بِنِصْفِ ثَمَرَتِهِ. فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ يُشْتَرَطُ لَهَا كَوْنُ الْعِوَضِ مَعْلُومًا، وَالْعَمَلِ مَعْلُومًا، وَتَكُونُ لَازِمَةً، وَالْمُسَاقَاةُ بِخِلَافِهِ. وَالثَّانِي يَصِحُّ. وَهُوَ أَقِيسُ؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ لِلْمَعْنَى، فَصَحَّ بِهِ الْعَقْدُ، كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا. وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ: تَجُوزُ إجَارَةُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْهَا الْمُزَارَعَةُ، عَلَى أَنَّ الْبَذْرَ وَالْعَمَلَ مِنْ الْعَامِلِ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ شُرُوطِ الْإِجَارَةِ، إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِجَارَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، أَمَّا إذَا أُرِيدَ بِالْإِجَارَةِ الْمُزَارَعَةُ، فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا غَيْرُ شَرْطِ الْمُزَارَعَةِ.
[فَصْلٌ يَلْزَمُ الْعَامِلَ بِإِطْلَاقِ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ مَا فِيهِ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَزِيَادَتُهَا]
(٤١٢٠) فَصْلٌ: وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ بِإِطْلَاقِ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ مَا فِيهِ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَزِيَادَتُهَا، مِثْلُ حَرْثِ الْأَرْضِ تَحْتَ الشَّجَرِ، وَالْبَقَرِ الَّتِي تَحْرُثُ، وَآلَةِ الْحَرْثِ، وَسَقْيِ الشَّجَرِ، وَاسْتِقَاءِ الْمَاءِ، وَإِصْلَاحِ طُرُقِ الْمَاءِ وَتَنْقِيَتِهَا، وَقَطْعِ الْحَشِيشِ الْمُضِرِّ وَالشَّوْكِ، وَقَطْعِ الشَّجَرِ الْيَابِسِ، وَزِبَارِ الْكَرْمِ، وَقَطْعِ مَا يُحْتَاجُ إلَى قَطْعِهِ، وَتَسْوِيَةِ الثَّمَرَةِ، وَإِصْلَاحِ الْأَجَاجِينَ، وَهِيَ الْحُفَرُ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ عَلَى أُصُولِ النَّخْلِ، وَإِدَارَةِ الدُّولَابِ، وَالْحِفْظِ لِلثَّمَرِ فِي الشَّجَرِ وَبَعْدَهُ حَتَّى يُقَسَّمَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُشَمَّسُ فَعَلَيْهِ تَشْمِيسُهُ، وَعَلَى رَبِّ الْمَالِ مَا فِيهِ حِفْظُ الْأَصْلِ، كَسَدِّ الْحِيطَانِ، وَإِنْشَاءِ الْأَنْهَارِ، وَعَمَلِ الدُّولَابِ، وَحَفْرِ بِئْرِهِ، وَشِرَاءِ مَا يُلَقَّحُ بِهِ
وَعَبَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ هَذَا بِعِبَارَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: كُلُّ مَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ، وَمَا لَا يَتَكَرَّرُ فَهُوَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ. وَهَذَا صَحِيحٌ فِي الْعَمَلِ. فَأَمَّا شِرَاءُ مَا يُلَقَّحُ بِهِ، فَهُوَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ تَكَرَّرَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْعَمَلِ. فَأَمَّا الْبَقَرَةُ الَّتِي تُدِيرُ الدُّولَابَ
فَقَالَ أَصْحَابُنَا: هِيَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْعَمَلِ، فَأَشْبَهَتْ مَا يُلَقَّحُ بِهِ. وَالْأَوْلَى أَنَّهَا عَلَى الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلْعَمَلِ، فَأَشْبَهَتْ بَقَرَ الْحَرْثِ، وَلِأَنَّ اسْتِقَاءَ الْمَاءِ عَلَى الْعَامِلِ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى بَهِيمَةٍ فَكَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى بَهِيمَةٍ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: مَا يَتَعَلَّقُ بِصَلَاحِ الْأُصُولِ وَالثَّمَرَةِ مَعًا، كَالْكَسْحِ لِلنَّهْرِ، وَالثَّوْرِ هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute