للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ التَّطَوُّعُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِوَقْتِ مُوَسَّعٍ، فَجَازَ التَّطَوُّعُ فِي وَقْتِهَا قَبْلَ فِعْلِهَا، كَالصَّلَاةِ يَتَطَوَّعُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ الْحَجُّ.

وَلِأَنَّ التَّطَوُّعَ بِالْحَجِّ يَمْنَعُ فِعْلَ وَاجِبِهِ الْمُتَعَيِّنِ، فَأَشْبَهَ صَوْمَ التَّطَوُّعِ فِي رَمَضَانَ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. وَالْحَدِيثُ يَرْوِيه ابْنُ لَهِيعَةَ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَفِي سِيَاقِهِ مَا هُوَ مَتْرُوكٌ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ: (وَمَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ، وَعَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ شَيْءٌ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ) . وَيُخَرَّجُ فِي التَّطَوُّعِ بِالصَّلَاةِ فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الصَّوْمِ.

[فَصْلُ الْقَضَاءِ فِي عَشْرِ ذِي الْحَجَّةِ]

(٢٠٩٠) فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي كَرَاهَةِ الْقَضَاءِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، فَرُوِيَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ. وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبُّ قَضَاءَ رَمَضَانَ فِي الْعَشْرِ. وَلِأَنَّهُ أَيَّامُ عِبَادَةٍ، فَلَمْ يُكْرَهْ الْقَضَاءُ فِيهِ، كَعَشْرِ الْمُحَرَّمِ. وَالثَّانِيَةُ، يُكْرَهُ الْقَضَاءُ فِيهِ.

رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ؛ لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَرِهَهُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ» . فَاسْتُحِبَّ إخْلَاؤُهَا لِلتَّطَوُّعِ، لِيَنَالَ فَضِيلَتَهَا. وَيَجْعَلُ الْقَضَاءَ فِي غَيْرِهَا.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي إبَاحَةِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ صَوْمِ الْفَرْضِ وَتَحْرِيمِهِ، فَمَنْ أَبَاحَهُ كَرِهَ الْقَضَاءَ فِيهَا، لِيُوَفِّرهَا عَلَى التَّطَوُّعِ، لِيَنَالَ فَضْلَهُ فِيهَا مَعَ فِعْلِ الْقَضَاءِ، وَمِنْ حَرَّمَهُ لَمْ يَكْرَهْهُ فِيهَا، بَلْ اسْتَحَبَّ فِعْلَهُ فِيهَا، لِئَلَّا يَخْلُوَ مِنْ الْعِبَادَةِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فَرْعٌ عَلَى إبَاحَةِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ الْفَرْضِ، أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ التَّحْرِيمِ، فَيَكُونُ صَوْمُهَا تَطَوُّعًا قَبْلَ الْفَرْضِ مُحَرَّمًا، وَذَلِكَ أَبْلَغُ مِنْ الْكَرَاهَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةُ الْمَرَضُ الْمُبِيحُ لِلْفِطْرِ فِي رَمَضَان]

(٢٠٩١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلِلْمَرِيضِ أَنْ يُفْطِرَ إذَا كَانَ الصَّوْمُ يَزِيدُ فِي مَرَضِهِ، فَإِنْ تَحَمَّلَ وَصَامَ، كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَأَجْزَأَهُ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إبَاحَةِ الْفِطْرِ لِلْمَرِيضِ فِي الْجُمْلَةِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] وَالْمَرَضُ الْمُبِيحُ لِلْفِطْرِ هُوَ الشَّدِيدُ الَّذِي يَزِيدُ بِالصَّوْمِ أَوْ يُخْشَى تَبَاطُؤُ بُرْئِهِ.

قِيلَ لِأَحْمَدَ: مَتَى يُفْطِرُ الْمَرِيضُ؟ قَالَ: إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ. قِيلَ: مِثْلُ الْحُمَّى؟ قَالَ: وَأَيُّ مَرَضٍ أَشَدُّ مِنْ الْحُمَّى، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ أَبَاحَ الْفِطْرَ بِكُلِّ مَرَضٍ، حَتَّى مِنْ وَجَعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>