وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِهَذَا اللَّفْظِ، فَقَالَ: لَهُ عِنْدِي دَرَاهِمُ. فُسِّرَ إقْرَارُهُ بِأَنَّهَا وَدِيعَةٌ، قُبِلَ تَفْسِيرُهُ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، سَوَاءٌ فَسَّرَهُ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ أَوْ مُنْفَصِلٍ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ لَفْظَهُ بِمَا يَقْتَضِيه، فَقُبِلَ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ. وَفَسَّرَهَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَثْبُتُ فِيهَا أَحْكَامُ الْوَدِيعَةِ، بِحَيْثُ لَوْ ادَّعَى تَلَفَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ رَدَّهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ.
وَإِنْ فَسَّرَهَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ، قُبِلَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ أَغْلَظُ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ رَدَدْتهَا إلَيْهِ. أَوْ تَلِفَتْ. لَزِمَهُ ضَمَانُهَا، وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مُنَاقَضَةِ الْإِقْرَارِ، وَالرُّجُوعِ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ، فَإِنَّ الْأَلْفَ الْمَرْدُودَ وَالتَّالِفَ لَيْسَتْ عِنْدَهُ أَصْلًا، وَلَا هِيَ وَدِيعَةٌ، وَكُلُّ كَلَامٍ يُنَاقِضُ الْإِقْرَارَ وَيُحِيلُهُ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَرْدُودًا. وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: إذَا قَالَ: لَك عِنْدِي وَدِيعَةٌ دَفَعْتهَا إلَيْك.
صُدِّقَ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى تَلَفَ الْوَدِيعَةِ، أَوْ رَدَّهَا، فَقُبِلَ، كَمَا لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ بِكَلَامٍ مُنْفَصِلٍ. وَإِنْ قَالَ كَانَتْ عِنْدِي، وَظَنَنْت أَنَّهَا بَاقِيَةٌ، ثُمَّ عَرَفْت أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ هَلَكَتْ. فَالْحُكْمُ فِيهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا.
[مَسْأَلَة قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ثُمَّ قَالَ وَدِيعَةً]
(٣٨٥٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ. ثُمَّ قَالَ: وَدِيعَةً. لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ بِقَوْلِهِ: عَلَيَّ كَذَا. ثُمَّ فَسَّرَهُ الْوَدِيعَةِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، فَلَوْ ادَّعَى بَعْدَ هَذَا تَلَفَهَا، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقِيلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهَا وَدِيعَةٌ، وَإِذَا ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ تَلَفِهَا، قُبِلَ مِنْهُ. وَقَالَ الْقَاضِي مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ عَلَيْهِ حِفْظُهَا وَرَدُّهَا، فَإِذَا قَالَ: عَلَيَّ.
وَفَسَّرَهَا بِذَلِكَ، احْتَمَلَ صِدْقَهُ، فَقُبِلَ مِنْهُ، كَمَا لَوْ وَصَلَهُ بِكَلَامِهِ، فَقَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِيعَةً. وَلِأَنَّ حُرُوفَ الصِّلَاتِ يَخْلُفُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ " عَلَيَّ " بِمَعْنَى " عِنْدِي " كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أَنَّهُ قَالَ {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} [الشعراء: ١٤] . أَيْ عِنْدِي.
وَلَنَا، أَنَّ " عَلَيَّ " لِلْإِيجَابِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهَا فِي ذِمَّتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: مَا عَلَى فُلَانٍ عَلَيَّ. كَانَ ضَامِنًا لَهُ، الْوَدِيعَةُ لَيْسَتْ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا هِيَ عَلَيْهِ، إنَّمَا هِيَ عِنْدَهُ.
وَمَا ذَكَرُوهُ مَجَازٌ، طَرِيقُهُ حَذْفُ الْمُضَافِ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ، أَوْ إقَامَةُ حَرْفٍ مَقَامَ حَرْفٍ، وَالْإِقْرَارُ يُؤْخَذُ فِيهِ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ. لَزِمَتْهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَإِنْ جَازَ التَّعْبِيرُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ عَنْ اثْنَيْنِ، وَعَنْ وَاحِدٍ، كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: ١١] . وَمَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ.
وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ. وَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute