للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْل خَالَعَ زَوْجَتَهُ أَوْ فُسِخَ النِّكَاحُ ثُمَّ نَكَحَهَا فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا]

(٦٠٩٨) فَصْلٌ: وَإِنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ، أَوْ فُسِخَ النِّكَاحُ ثُمَّ نَكَحَهَا فِي عِدَّتِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا؛ فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي نِكَاحِ مَدْخُولٍ بِهَا فِيهِ، لَمْ يَتَقَدَّمْهُ طَلَاقٌ سِوَاهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، بَنَتْ عَلَى الْعِدَّةِ الْأُولَى، فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ، أَنَّهَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ أَقْوَى مِنْ الرَّجْعَةِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ، اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ، فَهَاهُنَا أَوْلَى. وَلَنَا، أَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ نِكَاحٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، فَلَمْ تَجِبْ بِهِ عِدَّةٌ، كَمَا لَوْ نَكَحَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا. وَفَارَقَ الرَّجْعَةَ؛ لِأَنَّهَا رَدَّتْ الْمَرْأَةَ إلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، فَكَانَ الطَّلَاقُ الثَّانِي فِي نِكَاحٍ اتَّصَلَ بِهِ الدُّخُولُ، وَهَذَا النِّكَاحُ جَدِيدٌ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ دُخُولٌ، فَأَشْبَهَ التَّزْوِيجَ بَعْدَ قَضَاءِ الْعِدَّةِ.

وَأَمَّا بِنَاؤُهَا عَلَى الْعِدَّةِ الْأُولَى، فَلِأَنَّهَا إنَّمَا قُطِعَ فِي حُكْمِهَا النِّكَاحُ، وَقَدْ زَالَ، فَيَعُودُ إلَيْهَا. وَلَوْ أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا، أَوْ أَسْلَمَ هُوَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ هِيَ فِي عِدَّتِهَا، وَطَلَّقَهَا قَبْلَ وَطْئِهِ أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ ارْتَدَّتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي نِكَاحٍ وَطِئَ فِيهِ، أَشْبَهَ الطَّلَاقَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ.

[فَصْل مَتَى وَطِئَ الرَّجْعِيَّةَ]

(٦٠٩٩) فَصْلٌ: وَمَتَى وَطِئَ الرَّجْعِيَّةَ، وَقُلْنَا: إنَّ الْوَطْءَ لَا تَحْصُلُ بِهِ الرَّجْعَةُ، فَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ الْعِدَّةَ مِنْ الْوَطْءِ، وَيَدْخُلَ فِيهَا بَقِيَّةُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُمَا عِدَّتَانِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَتَدَاخَلَتَا، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى طَلَّقَهَا، وَلَهُ ارْتِجَاعُهَا فِي بَقِيَّةِ الْعِدَّةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا عِدَّةٌ مِنْ الطَّلَاقِ، فَإِذَا مَضَتْ الْبَقِيَّةُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ارْتِجَاعُهَا فِي بَقِيَّةِ عِدَّةِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهَا عِدَّةٌ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، فَإِنْ حَبِلَتْ مِنْ الْوَطْءِ، صَارَتْ فِي عِدَّةِ الْوَطْءِ، وَتَدْخُلُ فِيهَا الْبَقِيَّةُ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُمَا عِدَّتَانِ لِوَاحِدٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَا بِالْأَقْرَاءِ، وَتَنْقَضِي الْعِدَّتَانِ جَمِيعًا بِوَضْعِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ، وَلَهُ مُرَاجَعَتُهَا قَبْلَ وَضْعِهِ؛ لِأَنَّهَا فِي عِدَّةٍ مِنْ الطَّلَاقِ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَتَدَاخَلَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسَيْنِ. فَعَلَى هَذَا تَصِيرُ مُعْتَدَّةً مِنْ الْوَطْءِ خَاصَّةً. وَهَلْ لَهُ رَجْعَتُهَا فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، مَضَى تَوْجِيهُهُمَا فِيمَا إذَا حَمَلَتْ مِنْ وَطْءِ زَوْجٍ ثَانٍ، فَإِذَا وَضَعَتْ أَتَمَّتْ عِدَّةَ الطَّلَاقِ، وَلَهُ ارْتِجَاعُهَا فِي هَذِهِ الْبَقِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ. وَلَوْ طَلَّقَهَا حَامِلًا، ثُمَّ وَطِئَهَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ مِنْهُمَا جَمِيعًا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَسْتَأْنِفَ عِدَّةً لِلْوَطْءِ بَعْدَ وَضَعَ الْحَمْلِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَلَا رَجْعَةَ لَهُ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِكُلِّ حَالٍ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْفَصْلِ كُلِّهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا سَوَاءً.

<<  <  ج: ص:  >  >>