لِأَنَّهُ إنَّ أَطْلَقَ بَطَلَ، لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمُخَاضَرَةِ، وَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ لَمْ يُمْكِنْهُ قَطْعُ نَصِيبِهِ إلَّا بِقَطْعِ الزَّرْعِ كُلِّهِ.
وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِلْمُقِرِّ، احْتَمَلَ أَنْ يَصِحَّ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَصِحَّ، بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى زَرْعًا أَخْضَرَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِرَجُلٍ، وَالزَّرْعُ لِآخَرَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: صَالِحْنِي مِنْ نِصْفِ أَرْضِي عَلَى نِصْفِ زَرْعِك، فَيَكُونُ الزَّرْعُ وَالْأَرْضُ بَيْننَا نِصْفَيْنِ. فَإِنْ كَانَ بَعْدَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَهَلْ يَجُوزُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ بِنَاءً عَلَى بَيْعِ الزَّرْعِ مِنْ مَالِكِ الْأَرْضِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَبِيعُ نِصْفَ الزَّرْعِ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، وَيَشْتَرِي مِنْهُ نِصْفَ الْأَرْضِ الَّتِي لَهُ فِيهَا الزَّرْعُ، وَإِنْ شَرَطَا فِي الْبَيْعِ أَنْ يَقْطَعَا الزَّرْعَ جَمِيعَهُ، وَيُسَلِّمَ الْأَرْضَ فَارِغَةً، فَفِيهِ وَجْهَانِ أَيْضًا؛ أَحَدُهُمَا، يَصِحُّ؛ لِاشْتِرَاطِهِمَا قَطْعَ كُلِّ الزَّرْعِ وَتَفْرِيغَ الْأَرْضِ مِنْهُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَبْطُلَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ بَاعَهُ نِصْفَ الْأَرْضِ بِشَرْطِ قَطْعِ زَرْعِ غَيْرِهِ؛ لِيُسَلِّمَ إلَيْهِ أَرْضَهُ. وَإِنْ قُلْنَا: يَصِحُّ. لَمْ يَلْزَمْ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَصَلَ زَرْعُهُ فِي أَرْضِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ قَطْعُهُ.
[فَصْلٌ اشْتَرَى رَجُل نِصْف الثَّمَرَة قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحهَا أَوْ نِصْف الزَّرْع قَبْلَ اشْتِدَاد حُبّه مُشَاعًا]
(٢٩٠١) فَصْلٌ: وَإِذَا اشْتَرَى رَجُلٌ نِصْفَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، أَوْ نِصْفَ الزَّرْعِ قَبْلَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ مُشَاعًا، لَمْ يَجُزْ، سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ مِنْ رَجُلٍ، أَوْ مِنْ أَكْثَرِ مِنْهُ، وَسَوَاءٌ شَرَطَ الْقَطْعَ، أَوْ لَمْ يَشْرُطْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ قَطْعُهُ إلَّا بِقَطْعِ مَا لَا يَمْلِكُهُ، فَلَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُهُ.
[فَصْلٌ الْقُطْنُ ضَرْبَانِ]
(٢٩٠٢) فَصْلٌ: وَالْقُطْنُ ضَرْبَانِ؛ أَحَدُهُمَا، مَا لَهُ أَصْلٌ يَبْقَى فِي الْأَرْضِ أَعْوَامًا، كَالشَّجَرِ تَتَكَرَّرُ ثَمَرَتُهُ، فَهَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الشَّجَرِ، فِي أَنَّهُ يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ، وَإِذَا بِيعَتْ الْأَرْضُ بِحُقُوقِهَا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ، وَثَمَرُهُ كَالطَّلْعِ إنَّ تَفَتَّحَ فَهُوَ لِلْبَائِعِ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي. وَالثَّانِي، مَا يَتَكَرَّرُ زَرْعُهُ كُلَّ عَامٍ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الزَّرْعِ، وَمَتَى كَانَ جَوْزُهُ ضَعِيفًا رَطْبًا، لَمْ يَقْوَ مَا فِيهِ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، كَالزَّرْعِ الْأَخْضَرِ، وَإِنْ قَوِيَ جَوْزُهُ وَاشْتَدَّ، جَازَ بَيْعُهُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ، كَالزَّرْعِ الَّذِي اشْتَدَّ حَبُّهُ، وَإِذَا بِيعَتْ الْأَرْضُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ. وَالْبَاذِنْجَانُ نَوْعَانِ؛ أَحَدُهُمَا، مَا لَهُ شَجَرٌ تَبْقَى أُصُولُهُ وَتَتَكَرَّرُ ثَمَرَتُهُ، فَهُوَ كَالشَّجَرِ. وَالثَّانِي، مَا يَتَكَرَّرُ زَرْعُهُ كُلَّ عَامٍ، فَهُوَ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ.
[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى ثَمَرَة قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحهَا فَتَرَكَهَا حَتَّى بَدَا صَلَاحهَا]
(٢٩٠٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: فَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، بَطَلَ الْبَيْعُ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي مَنْ اشْتَرَى ثَمَرَةً قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، فَتَرَكَهَا حَتَّى بَدَا صَلَاحُهَا، فَنَقَلَ عَنْهُ حَنْبَلٌ، وَأَبُو طَالِبٍ: أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ. قَالَ الْقَاضِي: هِيَ أَصَحُّ. فَعَلَى هَذَا يَرُدُّ الْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ إلَى الْبَائِعِ، وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ.
وَنَقَلَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَبْطُلُ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute